فصل [7] [في دليل العقل على فضل العلم] وأما دليل العقل فنذكر منه وجهين:
أحدهما: أن المعقولات تنقسم إلى موجودة ومعدومة. والعقول السليمة تشهد بأن الموجود أشرف من المعدوم، بل لا شرف للمعدوم أصلا. ثم الموجود ينقسم إلى جماد ونام، والنامي أشرف من الجماد. ثم النامي ينقسم إلى حساس وغيره، والحساس أشرف من غيره. ثم الحساس ينقسم إلى عاقل وغير عاقل، ولا شك أن العاقل أشرف من غيره. ثم العاقل ينقسم إلى عالم وجاهل، ولا شبهة في أن العالم أشرف من الجاهل. فتبين بذلك أن العالم أشرف المعقولات والموجودات وهذا أمر يلحق بالواضحات.
والثاني 1: أن الأمور على أربعة أقسام: قسم يرضاه العقل، ولا ترضاه الشهوة وقسم عكسه، وقسم يرضيانه، وقسم لا يرضيانه، فالأول: كالأمراض والمكاره في الدنيا، والثاني: المعاصي أجمع، والثالث: العلم، والرابع: الجهل.
فمنزل العلم من الجهل بمنزلة الجنة من النار، فكما أن العقل والشهوة لا يرضيان بالنار، كذا لا يرضيان بالجهل، وكما أنهما يرضيان بالجنة، كذا يرضيان بالعلم، فمن رضي بالعلم فقد خاص في جنة حاضرة، و [من رضي] بالجهل فقد رضي بنار حاضرة.
ثم من اختار العلم يقال له بعد الموت: تعودت المقام في الجنة فادخلها.
.