أفردها العلماء 1 رضوان الله عليهم بالبحث وخصوها بالتصنيف، فليطالع فيها كتابا، وليبحث عن أسرارها، وليمعن النظر في كشف أغوارها، فليس لها حد تقف عليه الافهام، إذ ليست كغيرها من كلام الأنام، وإنما هي كلام الملك العلام، وفهم الناس لها على حسب ما تصل إليه عقولهم وتدركه أفهامهم.
فإذا فرغ منها انتقل بعدها إلى قراءة الكتب الفقهية، فيقرأ منها أولا كتابا يطلع فيه على مطالبه ورؤوس مسائله، وعلى مصطلحات الفقهاء وقواعدهم، فإنها لا تكاد تستفاد إلا من أفواه المشايخ بخلاف غيره من العلوم، ثم يشرع ثانيا في قراءة كتاب آخر بالبحث والاستدلال، واستنباط الفرع من أصوله، ورده إلى ما يليق به من العلوم، واستفادة الحكم من كتاب أو سنة من جهة النص أو الاستنباط من عموم لفظ أو إطلاقه، ومن حديث صحيح أو حسن أو غيرهما ليتدرب على هذه المطالب على التدريج، فليس من العلوم شئ أشد ارتباطا بغيره، ولا أعم احتياجا إليها منه، فليبذل فيه جهده وليعظم فيه جده، فإنه المقصد الأقصى والمطلب الأسنى ووارثه الأنبياء، ولا يكفي ذلك كله إلا بهبة من الله تعالى إلهية وقوة منه قدسية 2 توصله إلى هذه البغية، وتبلغه هذه الرتبة، وهي العمدة في فقه دين الله تعالى، ولا حيلة للعبد فيها، بل هي منحة إلهية ونفحة ربانية يخص بها من يشاء من عباده، إلا أن للجد والمجاهد والتوجه إلى الله تعالى، والانقطاع إليه أثرا بينا في إفاضتها من الجناب القدسي:
والذين جاهدوا فينا لندينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين. 3