فإذا فرغ من ذلك كله شرع في تفسير الكتاب العزيز بأسره، فكل هذه العلوم له مقدمة، وإذا وفق له، فلا يقتصر على ما استخرجه المفسرون بأنظارهم فيه، بل يكثر من التفكر في معانيه، ويصفي نفسه للتطلع على خوافيه، ويبتهل إلى الله تعالى في أن يمنحه من لدنه فهم كتابه وأسرار خطابه، فحينئذ يظهر عليه من الحقائق ما لم يصل إليه غيره من المفسرين، لان الكتاب العزيز بحر لجي في قعره درر وفي ظاهره خير، والناس في التقاط فرره، والاطلاع على بعض حقائقه على مراتب حسب ما تبلغه قوتهم ويفتح الله به عليهم، ومن ثم نرى التفاسير مختلفة حسب اختلاف أهلها فيما يغلب عليهم من العلم: فمنها ما يغلب عليه العربية كالكشاف للزمخشري، ومنها ما يغلب عليه الحكمة والبرهان الكلامي كمفاتح [أو:
مفاتيح] الغيب للرازي، ومنها ما يغلب عليه القصص كتفسير الثعلبي، 1 ومنها ما يسلط على تأويل الحقائق دون تفسير الظاهر كتأويل عبد الرزاق القاشي.. 2 إلى غير ذلك من المظاهر. ومن المشهور ما روي من:
أن للقرآن تفسيرا وتأويلا وحقائق ودقائق، وأن له ظهرا وبطنا وحدا ومطلعا. 3 ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم. 4