الثانية عشرة: ورد 1 أن الخضر عليه السلام علم أولا أنه نبي بني إسرائيل، موسى عليه السلام صاحب التوراة الذي كلمه الله عز وجل بغير واسطة، وخصه بالمعجزات، وقد أتى - مع هذا المنصب - بهذا التواضع العظيم بأعظم أبواب المبالغة، فدل على أن هذا هو الأليق، لان من كانت إحاطته بالعلوم أكثر، كان علمه بما فيها من البهجة السعادة أكثر، فيشتد طلبه لها، ويكون تعظيمه لأهل العلم أكمل.
ثم مع هذه المعرفة من الخضر عليه السلام وهذه الغاية من الأدب والتواضع من موسى عليه السلام أجابه بجواب رفيع وكلام منيع، مشتمل على العظمة والقوة، وعدم الأدب مع موسى عليه السلام بل وصفه بالعجز وعدم الصبر، بقوله:
إنك لن تستطيع معي صبرا. 2 وقد دلت هذه الكلمة الوجيزة أيضا على فوائد كثيرة من أدب المعلم وإعزازه للعلم وإجلاله لمقامه، على وجه يقتضي التأسي به، ولا دخل له بهذا الباب، لكنا نذكر جملة منه لمناسبة المقام، وله مدخل واضح في أصل الرسالة:
الأولى: وصفه بعدم الصبر على تعلم العلم، المقتضي لانحطاط قدره وسقوط محله، بالإضافة إلى مقام الصابرين الذين وعدهم الله تعالى بالكرامة، وبشرهم بالصلاة والرحمة. 3 الثانية: نفيه عنه الاستطاعة على الصبر، الموجب لقطع طمعه في السعي عليه والاتصاف به وتحصيل أسبابه، وهو في الأغلب أمر مقدور للبشر، وكان غاية ما يقتضي الحال من المعلم توصيته بالصبر لا تعجيزه عنه.