المطلب الثالث في ترتيب العلوم بالنظر إلى المتعلم اعلم أن لكل علم من هذه العلوم مرتبة من التعلم، لابد لطالبه من مراعاتها لئلا يضيع سعيه أو يعسر عليه طلبه، وليصل إلى بغيته بسرعة، وكم قد رأينا طلابا للعلم سنين كثيرة، لم يحصلوا منه إلا على القليل، وآخرين حصلوا منه كثيرا في مدة قليلة بسبب مراعاة ترتيبه وعدمه.
وليعلم أيضا أن الغرض الذاتي ليس هو مجرد العلم بهذه العلوم، بل الغرض موافقه مراد الله تعالى منها: إما بالآلية، أو بالعلم، أو بالعمل، أو بإقامة نظام الوجود، أو إرشاد عباده إلى ما يراد منهم، أو غير ذلك من المطالب، وبسبب ذلك يختلف ترتيب التعلم.
فمن كان تعلمه في ابتداء أمره وريعان شبيته وهو قابل للترقي إلى مراتب العلوم والتأهل للتفقه في الدين بطريق الاستدلال والبراهين فينبغي أن يشتغل في أول أمره بحفظ كتاب الله تعالى وتجويده على الوجه المعتبر، ليكون مفتاحا صالحا ومعينا ناجحا، وليستنير القلب به، ويستعد بسببه إلى درك باقي العلوم.