ولو فكر الانسان في نفسه، وفتش عن حقيقة عمله لوجد الاخلاص فيه قليلا، وشوائب الفساد إليه متوجهة، والقواطع عليه متراكمة، سيما المتصف بالعلم وطالبه، فإن الباعث الأكثري سيما في الابتداء لباغي العلم طلب الجاه والمال والشهرة، وانتشار الصيت، ولذة الاستيلاء، والفرح بالاستتباع، واستثارة الحمد والثناء، وربما يلبس عليهم الشيطان مع ذلك، ويقول لهم: غرضكم نشر دين الله، والنضال عن الشرع الذي شرعه رسول الله صلى الله عليه وآله.
والمظهر لهذه المقاصد يتبين عند ظهور أحد من الاقران أكثر علما منه وأحسن حالا، بحيث يصرف الناس عنه، فلينظر حينئذ: فإن كان حاله مع الموقر له، والمعتقد لفضله أحسن، وهو له أكثر احتراما، وبلقائه أشد استبشارا ممن يميل إلى غيره مع كون ذلك الغير مستحقا للموالاة، فهو مغرور وعن دينه مخدوع وهو لا يدري كيف، وربما انتهى الامر بأهل العلم إلى أن يتغايروا تغاير النساء فيشق على أحدهم أن يختلف بعض تلامذته إلى غيره وإن كان يعلم أنه منتفع بغيره ومستفيد منه في دينه.
وهذا رشح الصفات المهلكة المستكنة في سر القلب التي يظن العلم النجاة منها، وهو مغرور في ذلك، وإنما ينكشف بهذه العلامات ونحوها.
ولو كان الباعث له على العلم هو الدين لكان إذا ظهر غيره شريكا، أو مستبدا أو معينا على التعليم لشكر الله تعالى إذ كفاه وأعانه على هذا المهم بغيره، وكثر أوتاد الأرض، ومرشدي الخلق، ومعلميهم دين الله تعالى ومحيي سنن المرسلين.
وربما لبس الشيطان على بعض العالمين ويقول: إنما غمك لانقطاع الثواب عنك، لا لانصراف وجوه الناس إلى غيرك، إذ لو رجعوا إليك أو اتعظوا بقولك، وأخذوا عنك لكنت أنت المثاب، واغتمامك لفوات الثواب محمود. ولا يدري المسكين أن انقياده للحق وتسليمه الامر الأفضل [خ ل: لأفضل] أجزل ثوابا، وأعود عليه في الآخرة من انفراده.
وليعلم أن أتباع الأنبياء والأئمة لو اغتموا من حيث فوات هذه المرتبة لهم