الثانية: أن لا يكون ثم ما هو أهم من المناظرة، فإن المناظرة إذا وقعت على وجهها الشرعي وكانت في واجب، فهي من فروض الكفايات، فإذا كان ثم واجب عيني أو كفائي هو أهم منها، لم يكن الاشتغال بها سائغا.
ومن جملة الفروض التي لا قائم بها - في هذا الزمان - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد يكون المناظر في مجلس مناظرته مصاحبا لعدة مناكير، 1 كما لا يخفى على من سبر الأحوال المفروضة والمحرمة.
ثم هو يناظر فيما لا يتفق أو يتفق نادرا من الدقائق العلمية والفروع الشرعية، بل يجري منه ومن غيره في مجلس المناظرة من الايحاش والافحاش والايذاء والتقصير فيما يجب رعايته من النصيحة للمسلمين والمحبة والموادة، ما يعصي به القائل والمستمع، ولا يلتفت قلبه إلى شئ من ذلك، ثم يزعم أنه يناظر لله تعالى.
الثالثة: 2 أن يكون المناظر في الدين مجتهدا يفتي برأيه لا بمذهب أحد، حتى إذا بان له الحق على لسان خصمه انتقل إليه، فأما من لا يجتهد، فليس له مخالفة مذهب من يقلده فأي فائدة له في المناظرة، وهو لا يقدر على تركه إن ظهر ضعفه؟ ثم على تقدير أن يباحث مجتهدا ويظهر له ضعف دليله ماذا يضر المجتهد؟
فإن فرضه الاخذ بما بترجح عنده، وإن كان في نفسه ضعيفا، كما اتفق ذلك لسائر المجتهدين، فإنهم يتمسكون بأدلة ثم يظهر لهم أو لغيرهم أنها في غاية الضعف.
فتتغير فتواهم لذلك حتى في المصنف الواحد، بل في الورقة الواحدة. 3