فإذا فرغ من ذلك وأراد الترقي وتكميل النفس، فليطالع كتب الحكمة من الطبعي والرياضي والحكمة والعملية والمشتملة على تهذيب الأخلاق في النفس وما خرج عنها من ضرورات دار الفناء، ثم ينتقل بعده إلى العلوم الحقيقية والفنون الحقية، فإنها لباب هذه العلوم ونتيجة كل معلوم، وبها يصل إلى درجة المقربين ويحصل على مقاعد الواصلين، أوصلنا الله وإياكم إلى ذلك الجناب إنه كريم وهاب.
هذا كله بترتيب من هو أهل لهذه العلوم، وله استعداد لتحصيلها، ونفس قابلة لفهمها. فأما القاصرون عن درك هذا المقام، والممنوعون بالعوائق عن الوصول إلى هذا المرام، فليقتصروا منها على ما يمكنهم الوصول إليه متدرجين فيه حيث ما دللنا عليه. فإن لم يكن لهم بد من الاقتصار، فلا أقل من الاكتفاء بالعلوم الشرعية والاحكام الدينية.
فإن ضاق الوقت أو ضعفت النفس عن ذلك، فالفقه أولى من الجميع، فبه قامت النبوات، وانتظم أمر المعاش والمعاد، مضيفا إليه ما يجب مراعاته من تهذيب النفس وإصلاح القلب من علم الطب النفسي، ليترتب عليه العدالة التي بها قامت السماوات والأرض والتقوى التي هي ملاك الامر.
فإذا فرغ عما خلق له من العلوم فليشتغل بالعمل الذي هو زبدة العلم وعلة الخق، قال الله تعالى:
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون. 1 وهذه العلوم بمنزلة الآلات القريبة أو البعيدة للعمل، كما حققناه في الباب الأول. 2 وما أجهل وأخسر وأحمق من يتعلم صنعة لينتفع بها في أمر معاشه، ثم يصرف عمره، ويجعل كده في تحصيل آلاتها من غير أن يشتغل بها اشتغالا يحصل به الغرض منها. فتدبر ذلك موفقا إن شاء الله تعالى.