بالفضل كيف يستنكره قلبك، ويستثقله طبعك، وكيف تذمهم عليه إذا فارقتهم، فاعلم أنهم أيضا في حال تزكيتك نفسك يذمونك بقلوبهم ناجزا، ويظهرونه بألسنتهم إذا فارقتهم.
وثاني عشرها: النفاق، والمتناظرون يضطرون إليه، فإنهم يلقون الخصوم والاقران وأتباعهم بوجه مسالم، وقلب منازع، وربما يظهرون الحب والشوق إلى لقائهم، وفرائصهم مرتعدة في الحال من بغضهم، ويعلم كل واحد من صاحبه أنه كاذب فيما يبديه، مضمر خلاف ما يظهره.
وقد قال صلى الله عليه وآله:
إذا تعلم الناس العلم، وتركوا العمل، وتحابوا بالألسن وتباغضوا بالقلوب، وتقاطعوا في الأرحام، لعنهم الله عند ذلك. فأصمهم وأعمى أبصارهم. 1 نسأل الله العافية.
فهذه اثنتا عشرة خصلة مهلكة، أولها الكبر المحرم للجنة، وآخرها النفاق الموجب للنار، والمتناظرون يتفاوتون فيها على حسب درجاتهم، ولا ينفك أعظمهم دينا، وأكثرهم عقلا من جملة مواد هذه الأخلاق، وإنما غايتهم إخفاؤها ومجاهدة النفس عن ظهورها للناس وعدم اشتغالهم بدوائها، والامر الجامع لها طلب العلم لغير الله.
وبالجملة فالعلم لا يهمل العالم أبدا، بل إما أن يهلكه ويشقيه، أو يسعده ويقربه من الله تعالى ويدنيه.
فإن قلت: في المناظرة فائدتان: إحداهما ترغيب الناس في العلم، إذ لولا حب الرئاسة لاندرست العلوم، وفي سد بابها ما يفتر هذه الرغبة، والثانية: أن فيها تشحيذ الخاطر وتقوية النفس لدرك مآخذ العلم.
قلنا: صدقت، ولم نذكر ما ذكرناه لسد باب المناظرة، بل ذكرنا لها ثمانية