يطلق على هذا المرض واطلاقه أيضا مجازى وذلك أن الضنى من عوارض الأمراض البدنية وقد بينا وجه التجوز بلفظ المرض فكذلك يطلق عارض المرض البدني على عارض هذا المرض لمكان المشابهة، وبيانها ان المرض البدني كما يشتد ويخامر البدن حتى كلما ظن المريض انه برأ نكس (1) فكذلك للمذكور (2) في درجات الاستعداد (3) مرض قد يشتد ويخامر نفسا قام بها حتى كلما ظنت انه قد كمل عقلها وتم استعدادها فهي منتكسة (4) في ذلك المرض ناقصة العيار عند صحة الاعتبار.
واما انه أضنى من سائر الأمراض فلان خوف المرض وقوة ضرره تابع لشرف الجزء المريض وخطره وكلما كان المرض أقرب إلى جزء شريف كان خوفه أكثر وخطره أكبر وكان أشد وأضنى من غيره وعرفت ان النفس هي الجزء الأشرف من الانسان بل هي تمام الانسان وان صحتها وكمالها هو المطلوب الأصلي من خلقها والسبب الغائي من وجودها فاعرف ان مرضها أشد مرض وأضناه ونقصانها أرذل نقصان وأرداه، وتجد كل مرض بالنسبة إليه صحة وكل ألم بالقياس إلى المه راحة.
واما على الرواية الثانية:
وهو انه اخفى الأمراض فلا شك فيه وخصوصا بالقياس إلى من لحقه وتعلق به فان نقصان صاحب هذا المرض به هو الموجب لاعتقاده انه كامل فكل من كان استعداده للفضل انقص كان اعتقاده الوهمي لكماله أقوى وازيد، شعر:
كدعواك (5) كل يدعى صحة العقل * ومن ذا الذي يدرى بما فيه من جهل؟!
وكل من كان استعداده للفضل أزيد كان اعترافه بالعجز عن الوصول أتم، والسبب في ذلك محبة النفس للكمال من حيث هو وغفلة نفس الأول عن نقصانها فيعتقد ان الكمال لها لازم، واطلاع الثاني على عيب نفسه وحاجتها إلى التكميل من نقصانها ومعرفتها