الظاهر لم يتمكن العقل من استعمال الحس الباطن فلم يمكنه استخدام المفكرة (1) وأيضا فإذا اشتغلت النفس بالافعال التي تخصها منعتها من إعانة القوى على أفعالها ولذلك تجدها عند مساعدة القوى على فعل قوى تخصها تذهل عن فعلها الخاص بها فتتركه.
الثانية - انك علمت ماهية الحس المشترك فيما سبق وعلمت انه يرتسم (2) فيه صور المحسوسات بالحواس الخمس (3) لان (4) هذه المحسوسات عند ارتسامها تصير مشاهدة وان عدمت في الخارج وبينا ذلك بالقطرة النازلة خطا مستقيما.
الثالثة - قد يشاهد قوم من المرضى والممرورين صورا محسوسة ويحكمون بصحتها ويصيحون خوفا منها فتلك الصور ليست بمعدومة لان المعدوم لا يشاهد، وإذ هي موجودة فليست في الخارج والا لرآها سليم الحس، وإذ ليست في الخارج فليس ارتسامها في النفس الناطقة إذ لا ترتسم فيها الصور الحسية ولأنها لا تدرك الجزئيات بذاتها فهي إذا في قوة جسمانية وليست القوة الباصرة، لان المريض قد يكون أعمى أو بحيث لا يبصر فهي إذا في قوة غيرها أدركت هذه الصور (5) في (6) الحس المشترك ولن (7) ترد عليه هذه الصور من خارج فهي من داخل اما مما انخزن في الخيال فرأى في لوح الحس أو مما تركبه المتخيلة وتخزنه في الخيال فيرتسم نقشه في الحس لأنهما بمنزله مرآتين متقابلتين، والسبب ان النفس في حال المرض لاشتغالها بتدبير البدن ضعيفة عن تدبير المتخيلة فاستولت المتخلية وقويت على التشبيح، لا يقال: لو كان كذلك لوجب في كل ما يتخيل ان ان يحس إذ لا اختصاص لذلك بوقت دون وقت لأنا نقول: المانع من هذا الانتقاش دائما شاغلان، حسي وهو اشتغال لوح الحس بما يرد عليه من الصور الخارجية فلا يتسع للانتقاش بنقش آخر وعقلي أو وهمى وهو ان أحدهما عند اشتغال (8) المفكرة تصير المفكرة مستغرقة