يحدث عن ذلك الاعتقاد إرادة التوجه إلى الله تعالى والفرار والبعد عما سواه، فمهما بقي الانسان كذلك سمى مريدا، ثم إذا توغل في السلوك وبلغت به الإرادة والرياضة حدا ما (1) ظهرت عليه أنوار الهية لذيذة تشبه البرق اللامع المختفى ويسميها أهل الطريقة بالأوقات وكل واحد منها محفوف بوجدين، وجد إليه وهو الشوق المتقدم عليه، ووجد عليه وهو التأسف على فواته وهو متأخر عنه، لان مفارقة تلك المعارفة (2) بعد حصولها يوجب حنينا وأنينا شوقا (3) إلى ما فات، واليه أشار صاحب الوجد في قوله: شعر:
* إذا ما سقاني شربة من رضا به * ظمئت إلى ذاك المدام فلم اروى (4) وقول الاخر (5):
فأبكي ان نأوا شوقا إليهم * وأبكي ان دنوا خوف الفراق ثم إن هذه اللوامع تكون في مبدء الامر قليلة ثم لا تزال تكثر بحسب الامعان في الرياضة والتوغل فيها وتزداد وتتفاوت أزمانها بحسب زيادة قوة استعداد النفس لها حتى تصير تلك الأحوال ملكات فيظهر عليها في غير حال الارتياض وفى هذه الأحوال ربما عرضت له تلك الغواشي وهو غافل عنها فتستفزه عن مجلسه (6) وتوجب له الهرب والقلق (7) والاضطراب دفعة وذلك لكون النفس غير متأهبة لتلقيه كما نقل عن سيد المرسلين في مبدء الوحي انه كان يضطرب ويقول: زملوني زملوني، وكما أشير إليه في الكتاب العزيز