الاتفاق في مقام الانتخاب لحاكم خاص مما يقل ويندر جدا لو لم نقل بعدم وقوعه عادة، فلا مجال لحمل الأدلة على هذه الصورة فلا محالة يكفي الأكثرية. و الشارع الحكيم أمضى هذه السيرة بلوازمها.
ثم لو قلنا بالانتخاب بمرحلة واحدة مباشرة فالمراد بالأكثرية فيها أكثرية المجتمع. وإن قلنا بمرحلتين فالمراد بها في المرحلة الأولى أكثرية المجتمع وفي المرحلة الثانية أكثرية أهل الخبرة. هذا.
وكما أن حصول الاتفاق مما لا يقع عادة فعدم وجود الغيب والقصر ومن يولد بعد الانتخاب أيضا مما لا يقع عادة ولاسيما في المجتمع الكبير. فيعلم بذلك نفوذ انتخاب الأكثرية بالنسبة إلى الأقلية، وكذا بالنسبة إلى الغيب والقصر والمتولد بعد الانتخاب.
كل ذلك لاستمرار سيرة العقلاء على ذلك وإمضاء الشارع الحكيم لها بما مر من الأدلة.
والسر في جميع ذلك أن المجتمع بما أنه مجتمع له لوازم وأحكام خاصة عند العقلاء، ولا يحصل النظم والاستقرار فيه إلا مع الالتزام بها. والمفروض أن الشارع المقدس أيضا أمضاها حفظا للنظام والحقوق بقدر الإمكان.
ولا يضر تضرر الأقلية أو القصر أحيانا في ظل المجتمع ومقرراته بعدما يكون غنمهما ببركة المجتمع أكثر بمراتب. ومن له الغنم فعليه الغرم; يحكم بذلك الوجدان و العقل.
وقد عرفت أن الأولى والأحوط كون الانتخاب للوالي بمرحلتين; فالعامة ينتخبون الخبراء العدول، والخبراء ينتخبون الوالي. وعقل الخبراء والوالي وعدالتهم يقتضيان رعايتهم لحقوق الغيب والقصر ومن يولد بعد الانتخاب أيضا حتى في الثروات العامة كالمعادن والمفاوز ونحوهما، فتدبر.
فإن قلت: قد ورد في آيات كثيرة من الكتاب العزيز نفي العلم أو العقل عن الأكثر، كقوله - تعالى -: " قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون. " (1)