وكيف كان فإطاعة أمراء الجور بما هو عصيان لله - تعالى - غير واجبة، بل غير جائزة بلا إشكال ولا أظن أن يلتزم بوجوبها أحد ممن له دين أو عقل.
نعم، يوجد هنا بعض الأخبار والفتاوى من السنة ربما يستفاد منها وجوب الإطاعة والتسليم للأمراء والسلاطين مطلقا، وسيأتي البحث في ذلك بالتفصيل في المسألة السادسة عشرة من الفصل السادس من الباب الخامس. وهو بحث لطيف مبتلى به في هذه الأعصار ينبغي للفضلاء متابعته، فانتظر.
وقد ورد من طرق الشيعة أيضا روايات ربما يستدل بها على وجوب السكون والسكوت في قبال المظالم والجنايات، وان لم تدل على وجوب التسليم والطاعة.
وقد ذكرها في الوسائل في الباب الثالث عشر من الجهاد، والعلامة النوري في الباب الثاني عشر من جهاد المستدرك. وأسناد أكثرها مخدوشة وقد تعرضنا لها و للجواب عنها في الفصل الرابع من الباب الثالث، فراجع.
نعم، هنا نكتة يجب التنبيه عليها، وهي أن الأمير المنصوب من قبل الإمام لجيش خاص أو لجهة خاصة إذا فرض تحقق معصية منه أوجبت سقوطه عن العدالة، فهذا بنفسه لا يوجب سقوطه عن منصبه وجواز التخلف عن أوامره ونواهيه في الجهة المشروعة التي نصب لها، بل يجب على من يكون تحت إمارته - مضافا إلى وعظه و إرشاده - إطاعته في الجهة الخاصة المشروعة التي نصب لها. فإن لم يرتدع بالوعظ رفع أمره إلى الإمام الذي نصبه أميرا، حتى يكون هو الذي يعزله إن أراد.
وأما التخلف عنه مطلقا أو عزله من قبل كل شخص فلا يصح قطعا، فإنه يوجب الهرج والمرج.
ولعل بعض الروايات الواردة في كتب السنة ناظرة إلى مثل هذه الصورة، كما في حديث عوف بن مالك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " إذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يدا من طاعة. " (1)