أقول: قد عرفت منا أن إمامة أمير المؤمنين والأئمة من ولده (عليه السلام) عندنا كانت بالنص وأن الإمامة تنعقد بالانتخاب والبيعة أيضا ولكن في صورة عدم النص.
فالجدل في هذه الروايات ليس بتسليم ما ليس بحق أصلا، بل بتسليم كون المورد مورد عدم النص والاحتياج إلى الانتخاب.
الثاني: أن يقال إن الشورى بطبعها تستدعي كون المشاور من أهل الخبرة و الاطلاع ولا سيما في الأمور المهمة كالولاية، فليس لكل أحد الشركة في الشورى و انتخاب الوالي، بل يشترط في الناخب أن يكون من أهل العلم والتدبير والعدالة كما قاله الماوردي وأبو يعلى.
وحيث إن المهاجرين والأنصار كانوا في المدينة مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في جميع المواقف والمراحل وكانوا واقفين على سننه وأهدافه فلذلك خصوا بهذا الأمر.
ولعل التخصيص بالبدريين في بعض الروايات كان باعتبار كونهم من الصحابة الأولين، فكان وقوفهم واطلاعهم أكثر أو لبقائهم على صفة العدالة والدفاع عن الحق وإظهاره.
وبالجملة، فانتخاب الوالي يرتبط بأهل الخبرة وأهل الحل والعقد لا بالجميع.
فوزانه وزان جميع الأمور التخصصية التي يرجع فيها إلى الأخصاء.
الثالث: أن يقال: إن انتخاب الوالي حق لجميع الأمة لا لفئة خاصة، ولكنه يجب أن يكون بمرحلتين: فالعامة تنتخب الخبراء العدول، والخبراء ينتخبون الإمام والوالي، فإن معرفة العامة لشخص واحد والاطلاع على حقيقة حاله وانتخابه مباشرة مما يمكن أن يواجه ببعض العقبات، إذ لعل الأكثر جاهلون بالسياسة وأهلها، أو تغلب عليهم العواطف الآنية وتؤثر فيهم الدعايات، أو لا يكون لهم تدين وتقوى فتشترى آراؤهم بالتطميع والوعود البراقة، أو لا يكون لهم قوة وشجاعة فيؤثر فيهم التهديدات. فلا يبقى اطمينان بهذا النحو من الانتخاب العمومي.
فلا محالة يكون الانتخاب المباشر حقا لخصوص الخبراء وأهل الحل والعقد