والظاهر ان الطريق الثاني أمتن وأوثق. فالطريقان نظير المشي الكلامي والفلسفي في المسائل العقلية. فالمتكلم يفرض أولا حدوث العالم مثلا ثم يتصدى للاستدلال عليه من هنا وهناك. اما الفيلسوف فيتوجه أولا إلى حقيقة الوجود ونظام العالم فيجعله موضوعا لبحثه ثم يتصدى لتحقيق خواصه وعوارضه، من الوجوب و الإمكان والقدم والحدوث ونحو ذلك من الانقسامات اللاحقة للوجود، ولا محالة ينتهى بحثه بالأخرة إلى إحراز وجود الخالق ووجوبه وحدوث الخلق وامكانه.
إذا عرفت هذا فنقول: قبل الورود في أصل المسألة وذكر الأدلة الدالة على لزوم الحكومة وكونها من برامج الإسلام ووجوب إقامتها والاهتمام بها ينبغي أن نقوم بسير إجمالى في الروايات والفتاوى المذكور فيها لفظ الامام، أو الوالي، أو السلطان، أو الحاكم أو بيت المال، أو السجن، أو نحو ذلك في الأبواب المختلفة، من أول الفقه إلى آخره، وتفتيش إجمالى عن قوانين الاسلام ومقرراته.
فهذه النظرة الإجمالية، مضافا إلى أنها تعرفنا طبيعة فقه الاسلام وماهيته، فهي تدلنا أيضا على كون قوانين الاسلام ومقرراته مبنية على أساس الولاية والحكومة الإسلامية أو واقعة في طريقها. وبتعبير آخر تدلنا على كون الدولة داخلة في نسج الاسلام ونظامه، وتعرفنا أيضا على واجبات الدولة وصلاحياتها.
وسير الروايات والفتاوى وإن أوجب التطويل، بل الملال لبعض القراء الكرام، ولكنه يشتمل على فوائد كثيرة أيضا. وليس الغرض الاستقصاء، بل ذكر نماذج من الأبواب المختلفة.
تصور الاسلام على نحوين:
واعلم أن تصور الإسلام والنظرة اليه على نحوين: