ولا يريد هو عليه السلام تبرير امارة الفاجر وبيان مشروعيتها، بل يريد بيان تقدمها عقلا على الفتنة والهرج إذا دار الأمر بينهما.
2 - كيف نشأت الدولة وتنشأ؟
قد ذكروا في ذلك نظريات عديدة:
منها: ان الدولة نظام اجتماعي يفرضه بالإجبار شخص قوي أو فريق غالب على الضعفاء والمستضعفين والمتوسطين، استعبادا واستثمارا لهم أو استصلاحا وتعطفا عليهم حسب اختلاف الحكام في نياتهم.
ومنها: ان تشكيل العائلة أمر يقتضيه طبع البشر، ثم هي الخلية الأولى لكل مجتمع ودولة، إذ تجتمع العائلات وتتصل حسب طبعها وحاجتها فتصير عشيرة ثم قبيلة ثم مدينة سياسية يسوسها حكم واحد، ثم ترتبط المدن تدريجا ويحكم عليها نظام واحد وحكم واحد فتصير ملكا واحدا ودولة واحدة، فالدولة نتيجة حركة التاريخ بالطبع.
ومنها: ان الانسان في بادي الامر كان يعيش على الفطرة والغريزة وكان يتمتع بحرية كاملة، ثم تضاربت المصالح والحريات فسادت القوة وضاعت حقوق الضعفاء وأصبح أمر الجماعة فوضى، فتوافق عقلاء الناس واصطلحوا على وضع قوانين خاصة محددة للحريات وعلى قوة منفذة لها حفظا للحقوق، فالحكومة معاقدة اجتماعية بين الحاكم وبين الرعية تحصل باختيار الطرفين.
إلى غير ذلك مما قيل في المقام، ولا يهمنا ذكرها ونقدها وقياس بعضها إلى بعض بعدما اتضح - كما مر - أصل ضرورة الحكومة والدولة، وسيأتي منا بيان ان الحكومة داخلة في نسج الاسلام ونظامه وان النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أسس بناء الحكومة الإسلامية بأمر الله - تعالى - وتعاقدت الجماعة الاسلامية الأولى معه (صلى الله عليه وآله وسلم) على الايمان بالله و برسوله وبرياسته على الأمة واتباعها له في كل ما آتاه. ومن جملة ما آتاه المقررات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، كما هو واضح لمن تتبع فقه الاسلام.