الثالث:
ان العقل يرى تعظيم المنعم وشكره حسنا وترك ذلك قبيحا. ولو فرض ان ترك اطاعته صار سببا لعقوقه واذاه فالعقلاء يذمون الانسان على تركها. اللهم الا ان يزاحمها واجب أهم. ولعل هذا أيضا أحد الملاكات لإلزام العقل بوجوب إطاعة الله - تعالى - فيما أمر به أو نهى عنه. بل لعل وجوب إطاعة الوالدين أيضا من هذا القبيل، فإنهما من أولياء النعم. فالعقلاء مع قطع النظر عن حكم الشرع أيضا يرون حسن إطاعتهما بل لزومها لذلك، فيكون حكم الشرع أيضا بهذا الملاك. وإذا كان هذا حكم الوالد الجسماني فالآباء الروحانيون وأولياء النعم المعنوية التي بها انسانية الانسان هم كذلك بطريق أولى. فيحسن عقلا بل يجب إطاعة الأنبياء وأئمة العدل بهذا الملاك.
الرابع:
ما مر في المقدمة اجمالا ويأتي بالتفصيل من ان الانسان مدني بالطبع ولا يتيسر له إدامة حياته إلا في ظل التعاون والاجتماع. ولازم الاجتماع غالبا التضاد في الأهواء والتضارب والصراع. فلا محالة يحتاج إلى نظم وقوانين تحدد الحريات و تراعي مصالح الجميع، والى حاكم ينفذ هذه القوانين ويدبر الأمور ويرفع المظالم، و واضح ان الحكومة لا تتم ولا تستقر إلا بإطاعة المجتمع للحاكم، فتجب الإطاعة بحكم العقل، ولا سيما إذا باشروا تعيينه وعاهدوه على ذلك، إذ الفطرة حاكمة بلزوم الوفاء بالعهد. هذا.