" رأى فقهاء المذاهب الأربعة وغيرهم أن الإمامة تنعقد بالتغلب والقهر. إذ يصير المتغلب إماما دون مبايعة أو استخلاف من الإمام السابق، وإنما بالاستيلاء. و قد يكون مع التغلب المبايعة أيضا فيما بعد. " (1) أقول: لا يخفي أن مقتضى ما ذكروه من إمامة المتغلب مطلقا أن الخارج على الإمام الموجود في أول الأمر باغ يجب قتاله ودفعه، ثم إذا فرض غلبته انقلب إماما واجب الإطاعة وان كان من أفسق الفسقة والظلمة! وهذا أمر عجيب لا يقبله الطبع السليم.
والظاهر أن هؤلاء المصنفين من السنة كانوا غالبا بصدد التوجيه للوضع الموجود خارجا في أمر الولاية على المسلمين، وتبريره شرعا. فلذا قالوا بكفاية التغلب أو ولاية العهد أو بيعة عدة قليلة.
ولكن المنصف المتحري للحق ليس من شأنه السعي في تبرير ما وقع، بل بيان ما يحكم به العقل والشرع بذاتهما. وقد عرفت أن الإمامة على المسلمين أمر يتعلق بجميع المسلمين، فيجب أن تكون من قبل الله المالك للجميع أو برضا جميع الأمة أو أكثرهم، ولا أقل من أهل الحل والعقد منهم، فإنه يستعقب رضا الجميع عادة.
ولا ريب أن النصب من قبل الله على فرض تحققه - كما هو معتقدنا بالنسبة إلى الأئمة الاثني عشر - مقدم على انتخاب الأمة قطعا. فالطريق الثاني في طول الأول، لا في عرضه. وقد قال الله - عزوجل -: " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله و رسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم. " (2) والحاصل أن لأرباب التحقيق من علماء المسلمين في مبدأ الحكومة قولان: