أقول: يظهر من الأخبار المستفيضة أن القضاء لا يجوز ولا ينفذ إلا من النبي أو الوصي، ففي خبر إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لشريح:
" يا شريح، قد جلست مجلسا لا يجلسه (ما جلسه خ. ل) إلا نبي أو وصى نبي أو شقي. " (1) وفي خبر سليمان بن خالد عنه (عليه السلام)، قال: " اتقوا الحكومة، فإن الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين لنبي (كنبي خ. ل) أو وصى نبي. " (2) وعلى هذا فلأحد أن يقول إن الإمام الصادق (عليه السلام) قد صار بصدد نصب الفقيه قاضيا ليصح وينفذ قضاؤه، وفي الحقيقة يصير وصيا للوصي، وأوصى للمتخاصمين من الشيعة أن يختاروه ويرضوا به حكما في قبال قضاة الجور. وقد مر أن اعتبار الرضا لعله يكون من جهة أنه ليس لقضاء هذا القاضي لعدم سلطته ضمانة إجرائية سوى رضا الطرفين وإيمانهما، وبهذه الملاحظة أيضا عبر عنه بالحكم. فيصير مفاد كلام الإمام (عليه السلام) أنه يحرم عليكم الرجوع إلى قضاة الجور، ويجب عليكم تحكيم رجل منكم وجد الصفات المذكورة، ويجب الرضا بقضائه لأني جعلته قاضيا أو واليا فصار قضاؤه مشروعا نافذا بذلك.
وبالجملة، الظاهر من الجملة تحقق النصب، كما هو الظاهر من مشهورة أبي خديجة أيضا. وجعل الجعل في الحديث بمعنى القول خلاف الظاهر جدا. وما ذكرناه في الفصل السابق من الخدشة ثبوتا في نصب الوالي بنحو العموم لا يجري في نصب القاضي، فإن عمل القاضي محدود فيمكن تعدد القضاة بتعدد الفقهاء، وكل منهم يعمل بتكليفه في ظرف خاص ومنطقة محدودة، وهذا بخلاف الولاية بالمفهوم الوسيع الشامل لجميع أعمال الولاة.
والحاصل أنه لا يترتب كثير إشكال على جعل الإمام الصادق (عليه السلام) جميع الفقهاء في عصره والأعصار المتأخرة قضاة ينفذ قضاؤهم.
وأما جعل الجميع ولاة نافذي الكلمة في جميع ما يرجع إلى الولاة من الأمور فهو الذي يوجب الاختلاف والهرج والمرج، كما مر.