نعم، الإطلاق ربما ينتج العموم الاستغراقي وربما ينتج العموم البدلي، وهذا بحسب اختلاف الموارد، كما لا يخفى.
هذا مضافا إلى أن قوله: " جعلته عليكم حاكما " يصير مفاده أن " حاكمية الفقيه مجعولة " فتصير الحاكمية موضوعا للجعل، اللهم إلا أن يقال هذا خلط بين الموضوع المصطلح في علم الأصول والموضوع المصطلح في علم النحو، والحاكمية بحسب المفاد محمول على الفقيه وإن جعلت في القضية موضوعا.
وقد تلخص مما ذكرناه هنا أن الحكم بالإطلاق مع تحقق مقدماته لا يفرق فيه بين الموضوع وبين غيره، وأن كون القضاء هو القدر المتيقن من لفظ الحاكم في المقبولة لا يوجب حمله على خصوص القضاء، وكون المورد خصوص المنازعة أيضا لا يوجب الاختصاص فإن المورد لا يخصص بعد كون الجواب عاما. فالإشكال السادس مدفوع وباطل من أساسه.
السابع: أن لفظ الحكم في المقبولة ظاهر في قاضي التحكيم، أي المحكم من قبل المتخاصمين، فيكون المراد بالحاكم أيضا ذلك لتتلائم الجملتان.
وعلى هذا فليس في المقبولة نصب لا للوالي ولا للقاضي. وليس لفظ: " الجعل " هنا بمعنى الإنشاء والإيجاد، بل بمعنى القول والتعريف. فيصير محصل كلام الإمام (عليه السلام) أني أقول لكم وأرشدكم أن الرجل الكذائي صالح لأن تختاروه وترضوا به حكما بينكم.
قال في لسان العرب في معاني الجعل:
" جعل الطين خزفا والقبيح حسنا: صيره إياه. وجعل البصرة بغداد: ظنها إياه... و قوله: " وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا "، قال الزجاج: الجعل هيهنا بمعنى القول والحكم على الشئ. كما تقول: قد جعلت زيدا أعلم الناس، أي قد وصفته بذلك وحكمت به. " (1)