الخامس: أن الظاهر كون المخاطب في " منكم " و " عليكم " خصوص الشيعة الإمامية الاثني عشرية، كما يشهد بذلك كلمة: " أصحابنا " في كلام السائل. والشيعة في عصر الإمام الصادق (عليه السلام) كانوا قليلين جدا مستهلكين بين سائر المسلمين، فلم يمكن تحقق دولة وحكومة لهم. فيعلم بذلك أن الإمام (عليه السلام) لم يكن بصدد نصب الوالي، بل كان غرضه رفع مشكلة الشيعة في منازعاتهم فأرجعهم إلى تعيين قاضي التحكيم بأن يختاروا رجلا منهم ويرضوا به حكما. ولو كان بصدد نصب الوالي لكان المناسب نصبه على جميع الأمة لاعلى الشيعة فقط.
اللهم إلا أن يقال، كما مر في كلام الأستاد - مد ظله -: إن نظر الإمام الصادق (عليه السلام) لم يكن مقصورا على عصره فقط، بل كان بصدد طرح حكومة عادلة إلاهية وبيان شرائطها ومواصفاتها حتى لا يتحير المفكرون لو وفقهم الله - تعالى - لإقامة دولة حقة ولو في الأعصار الآتية. ويكفي في صحة هذا الجعل بنحو يشمل عصره أيضا ترتب بعض الآثار في عصره، أعني الأمور المرتبطة بالقضاة من القضاء والأمور الحسبية و نحوها، فتدبر.
السادس: سلمنا أن الحكم بمشتقاته بحسب الوضع والمفهوم يعم القضاء وغيره مما يشتمل على البت والفصل ولكن لما كانت المقبولة سؤالا وجوابا متعرضة لمسألة المنازعة في الأموال والقضاء فيها، فالقضاء هو القدر المتيقن من الكلام، ولا دليل على إرادة الأعم.
والتمسك بالإطلاق إنما يجري في الموضوعات لا في المحمولات.
فلو قيل: " النار حارة " بلا ذكر قيد نحكم بكون الموضوع طبيعة النار بإطلاقها فتشمل جميع الأفراد، ولا نحكم بكون المحمول جميع مراتب الحرارة وأفرادها. و لو قال المولى: " أكرم عالما " نجري فيه مقدمات الحكمة فنقول: كان المولى في مقام البيان وجعل الموضوع لحكمه طبيعة العالم فيثبت الإطلاق، ونتيجته كفاية أي عالم كان.
وأما إذا قال: " زيد عالم " فلا يجري الإطلاق في المحمول، ولا نحكم بكونه عالما بكل ما يحتمل كونه عالما به.