قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم. " (1) وكيف كان فلا ينبغي الإشكال في التعميم للبابين.
ويشهد لذلك أيضا مشهورة أبي خديجة التي مرت، إذا الظاهر من صدرها إلى قوله: " فإني قد جعلته قاضيا " هي المنازعات التي يرجع فيها إلى القضاة. ومن تحذيره بعد ذلك من الإرجاع إلى السلطان الجائر وجعله مقابلا له بقوله (عليه السلام): " وإياكم أن يخاصم بعضكم بعضا إلى السلطان الجائر "، هي المنازعات التي يرجع فيها إلى السلطان لرفع التجاوز والتعدي لا لفصل الخصومة ".
هذا ما ذكره الأستاذ الإمام - مد ظله - لتقريب الاستدلال بالمقبولة والمشهورة على نصب الفقيه واليا وقاضيا.
ثم تعرض - مد ظله - لبعض الشبهات الواردة والجواب عنه، فقال ما حاصله:
" ثم إنه قد تنقدح شبهة في بعض الأذهان بأن أبا عبد الله (عليه السلام) في أيام إمامته إذا نصب شخصا أو أشخاصا للإمارة أو القضاء كان أمده إلى زمان إمامته (عليه السلام)، وبعد وفاته يبطل النصب.
وفيها ما لا يخفى، فإنه مع الغض عن أن مقتضى المذهب أن الإمام إمام حيا وميتا وقائما وقاعدا، إن النصب لمنصب الولاية أو القضاء أو نصب المتولي للوقف أو القيم على السفهاء أو الصغار لا يبطل بموت الناصب. إذ من الضروري في طريقة العقلاء أنه مع تغيير السلطان أو هيئة الدولة ونحوهما لا ينعزل الولاة والقضاة وغيرهم من المنصوبين. نعم للرئيس الجديد عزلهم متى أراد، ومع عدم العزل تبقى المناصب على حالها.
وفي المقام لا يعقل هدم الأئمة اللاحقين لنصب الإمام الصادق (عليه السلام)، لأنه يرجع إما إلى نصب غير الفقهاء العدول مع كونهم أصلح وأرجح، أو إلى إرجاع الشيعة إلى ولاة الجور وقضاته، أو إلى الإهمال لهذا الأمر الضروري الذي يحتاج إليه الأمم. والكل ظاهر الفساد.