برواة الحديث غير معهود فإنهم عترة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله وخزان علمه.
وليس المراد من قوله (عليه السلام): " يرون حديثي وسنتي ": الحفاظ لألفاظ الحديث نظير المسجلات، بل المتفقهون في أقواله وسنته.
ويشهد لذلك قوله في بعض النقول: " فيعلمونها الناس من بعدي. " إذ التعليم شأن من درى الرواية وتفهمها. بل رب راو لا يعلم بكون ما يرويه كلاما للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسنة له حقيقة، فإن تشخيص السنة الصادقة عن الأخبار المختلقة أو المحرفة، ومعرفة ما هو الحق من الأخبار المتعارضة إنما هو من شؤون أهل الدراية والفقه وأهل التحقيق و المعرفة، كما لا يخفى على علماء الرجال والدراية.
هذا مضافا إلى أنه بمناسبة الحكم والموضوع يظهر لنا عدم إرادة الراوي المحض، إذ لا يناسب جعل منصب خلافة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) لمن لا شأن له إلا حفظ ألفاظ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بلا دراية ودرك لمفاهيمها وتفقه فيها، كما هو واضح.
فإن قلت: قوله: " يروون حديثي وسنتي "، وكذلك قوله: " فيعلمونها الناس من بعدي " قرينة على إرادة الخلافة في خصوص بيان الروايات وتعليم الأحكام.
قلت: أولا: لم يكن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) راويا حتى يخلفه الرواة في الرواية.
وثانيا: إن الظاهر أن الذيل ذكر معرفا للخلفاء لا محددا للخلافة، فيكون المراد توصيف من له أهلية الخلافة عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) وإن كانت الخلافة مطلقة.
بل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضا كان الملاك المهم لخلافته المطلقة عن الله معارفه وعلومه و تعليماته، وكذلك أبونا آدم (عليه السلام).
ألا ترى أن الله - تعالى - بعدما قال للملائكة: " إني جاعل في الأرض خليفة. "، وقال الملائكة: " نحن نسبح بحمدك ونقدس لك " قال - تعالى -: " وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبؤوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين... " (1)؟ إذ يظهر من الآيات