الثالث: أن الظاهر أن الإمام الصادق (عليه السلام) لم يكن بصدد الثورة ضد السلطة الحاكمة في عصره لكي ينصب واليا في قبالها، لعدم مساعدة الظروف على ذلك.
بل كان بصدد رفع مشكلة الشيعة في عصره في باب المخاصمات. كيف؟ ولم يعهد تدخله (عليه السلام) بنفسه في المسائل الولائية المرتبطة بالولاة مع كونه حقا له عندنا، فكيف ينصب لذلك الفقهاء في عصره؟
وكون النصب لعصر الغيبة دون عصره مساوق للإعراض عن جواب السؤال و لاستثناء المورد وهو قبيح، كما مر.
اللهم إلا أن يقال: إن القضاء كما مر ليس منحازا عن الولاية الكبرى، بل هو من شؤون الوالي. فالإمام (عليه السلام) جعل الولاية الكبرى للفقيه لعصره ولما بعده غاية الأمر أن هذا الجعل بالنسبة إلى عصره كان منشئا للأثر بالنسبة إلى خصوص القضاء والأمور الحسبية فقط، ولعله في الأعصار المتأخرة يفيد بالنسبة إلى جميع الآثار كما تراه في عصرنا حيث تهيأ الجو لإقامة دولة إسلامية في إيران.
ويكفي في الابتلاء بموضوع، الابتلاء ببعض شؤونه.
ويؤيد ذلك أنه (عليه السلام) بعدما أرجع المتخاصمين إلى من وجد الصفات المذكورة وأمر برضاهما به حكما قال: " فإني قد جعلته عليكم حاكما. " إذ الظاهر من هذا التعبير أن الذيل بمنزلة التعليل لما سبقه، وقد مر أن لفظة " عليكم " قرينة على إرادة الولاية وإلا كان الأنسب أن يقول: " بينكم. " فيكون المراد: " إني جعلت الفقيه واليا عليكم "، فهو بجهة ولايته المشروعة يصح منه القضاء فيجب أن يرضوا به حكما.
وإنما قال ذلك مع أن قضاء الوالي وقضاته نافذ ولا يشترط فيه رضا الطرفين، لأن الوالي المتسلط وقضاته تكون لحكمهم ضمانة إجرائية وأما الوالي الذي نصبه الإمام الصادق (عليه السلام) فهو نظير نفس الإمام لم تكن ضمانة إجرائية لحكمه إلا إيمان الشخص ورضاه، ولأجل ذلك أيضا عبر بلفظ " الحكم "، الظاهر في قاضي التحكيم المنتخب برضا الطرفين.
وبالجملة، فالذيل كبرى كلية ذكرت علة للحكم، فيجب الأخذ بعمومها.