وأن سائر الأحكام المتوقفة على إعمال القوة والقدرة كانت من شؤون الولاة. و كذا قول الإمام (عليه السلام): " فإنما تحاكم إلى الطاغوت " حيث استعمل لفظ الطاغوت واستشهد بالآية الشريفة، وكذا قوله: " فإني قد جعلته عليكم حاكما " بدل قوله: " قاضيا " كل ذلك قرينة على أن المقصود هو تعيين المرجع لجميع الأمور المرتبطة بالولاة التي منها القضاء. فيراد بالحاكم مطلق من يرجع إليه في الأمور للبت والقرار. وإلى هذا البيان أيضا يرجع كلام كل من استدل بالمقبولة في المقام، فتكون المقبولة دليلا على نصب الوالي والقاضي معا، لا بأن يستعمل لفظ الحاكم في المعنيين، بل لأن القضاء أيضا من شؤون الولاة ولذا قد ينصبون القضاة لذلك وقد يتصدون له بأنفسهم، كما كان يصنع أمير المؤمنين (عليه السلام). وقد مر في خبر سليمان بن خالد، عن الصادق (عليه السلام): " إن الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضاء ". (1) وبعبارة أخرى: ليس المراد أن هنا نصبين: نصب الفقيه واليا، ونصبه قاضيا وإن كان ربما يوهم ذلك كلام الأستاذ - مد ظله - بل المراد نصبه واليا ولكن القضاء أيضا من شؤون الوالي.
ويمكن أن يؤيد كون المراد بالحاكم هو الوالي بقوله (عليه السلام): " عليكم " فإن العلو إنما يكون للوالي المتسلط، ولو أريد القضاء فقط كان المناسب أن يقول: " بينكم. " وقد مر منا أيضا أن الظاهر كون الآيات الثلاث مرتبطة بمسألة الولاية.
ويظهر من قول الإمام (عليه السلام): " من كان منكم "، اعتبار كون الوالي والقاضي للشيعة الإمامية من الشيعة. ومن قوله: " روى حديثنا "، كون روايات العترة وحديثهم أساس حكمه وقضائه. ولا يصدق هذا إلا على المجتهد المستنبط من الأحاديث، إذ المقلد أساس علمه فتوى مرجعه لا أحاديث أهل البيت.
ويظهر من قوله: " نظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا " أيضا اعتبار الاجتهاد، إذ لا يصدق على المقلد المحض أنه نظر وعرف، فإن المتبادر من النظر في الشئ إعمال الدقة فيه، ومن معرفته الإحاطة به تفصيلا. ومعنى النظر في حلالهم وحرامهم النظر