القضاة "، لا شبهة في شموله للمنازعات التي يرجع فيها إلى القضاة، كدعوى أن فلانا مديون أو وارث مثلا وإنكار الطرف الآخر مما يحتاج إلى الترافع وإقامة البينة أو اليمين. والمنازعات التي يرجع فيها إلى الولاة والأمراء، كالتنازع الحاصل بينهما لأجل عدم أداء دينه أو ميراثه بعدما كان ثابتا ومعلوما مما تحتاج إلى إعمال السلطة والقدرة فقط ويكون مرجعها الأمراء والسلاطين. فلو قتل ظالم شخصا من طائفة و وقع النزاع بين الطائفتين فلا مرجع لرفعه إلا الولاة بقدرتهم. ولذا قال: " فتحاكما إلى السلطان، أو إلى القضاة " ومن الواضح عدم تدخل الخلفاء في ذلك العصر بل مطلقا في المرافعات التي ترجع فيها إلى القضاة، وكذلك العكس. وقول الإمام - عليه السلام -: " من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت "، انطباقه على الولاة أوضح، بل لولا القرائن لكان الظاهر منه خصوص الولاة.
وكيف كان، فلا إشكال في دخول الطغاة من الولاة فيه، سيما مع مناسبات الحكم و الموضوع، ومع استشهاده بالآية التي هي ظاهرة فيهم في نفسها.
وقول الراوي بعد ذلك: " فكيف يصنعان " يكون استفسارا عن المرجع في البابين.
واختصاصه بأحدهما سيما القضاة في غاية البعد.
وقول الإمام - عليه السلام -: " فليرضوا به حكما " يكون تعيينا للحاكم في التنازع مطلقا.
ولو توهم من قوله: " فليرضوا " اختصاصه بمورد تعيين الحكم فلا شبهة في عدم إرادة خصوصه، بل ذكر من باب المثال، وإلا فالرجوع إلى القضاة الذي هو المراد جزما لا يعتبر فيه الرضا من الطرفين.
فاتضح من جميع ذلك أنه يستفاد من قوله (عليه السلام): " فإني قد جعلته عليكم حاكما " أنه (عليه السلام) قد جعل الفقيه حاكما فيما هو من شؤون القضاء، وما هو من شؤون الولاية. فالفقيه ولي الأمر في البابين وحاكم في القسمين، سيما مع عدوله (عليه السلام) عن قوله: " قاضيا " إلى قوله: " حاكما. " بل لا يبعد أن يكون القضاء أيضا أعم من قضاء القاضي ومن أمر الوالي وحكمه. قال الله - تعالى -: " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا