وربما ينقدح في الذهن أن صدر الآية ذكر توطئة وتمهيدا للذيل، فيكون المراد أنه لما كانت إطاعة الله وإطاعة رسوله وأولي الأمر واجبة فلا محالة يجب أن يكون المرجع في المنازعات هو الله ورسوله لا الطاغوت الذي أرادوا أن يتحاكموا إليه المذكور في الآية التالية، فتدبر.
واما قوله - تعالى -: " ألم تر إلى الذين يزعمون الآية "، ففي مجمع البيان:
" كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة، فقال اليهودي: أحاكم إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، لأنه علم أنه لا يقبل الرشوة ولا يجوز في الحكم، فقال المنافق: لا، بل بيني وبينك كعب بن الأشرف، لأنه علم أنه يأخذ الرشوة فنزلت الآية. " (1) والطاغوت: فعلوت من الطغيان للمبالغة، ففيه قلب كما لا يخفى. هذا.
وقد تحصل مما ذكرناه أن الحكم بالعدل في الآية الأولى من الآيات الثلاث ظاهر في القضاء، وأن مورد الآية الثالثة أيضا هو القضاء، كما أن التنازع المذكور في الآية الثانية أيضا يناسب القضاء.
ولكن لا يخفى أن القضاء بنفسه ليس قسيما للإمامة والولاية، بل هو من شؤون الإمامة، وكثيرا ما كان الإمام بنفسه يتصدى له، وتصدى القضاة له أيضا كان من جهة كونهم منصوبين من قبله.
وقد مر في خبر سليمان بن خالد قوله (عليه السلام): " فإن الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضاء " وفي المقبولة: " فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة. " ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضا كان يقضي بإمامته وولايته، وكذلك أمير المؤمنين (عليه السلام). وقال الله - تعالى - مخاطبا لداود النبي (عليه السلام): " يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض، فاحكم بين الناس بالحق. " (2) ففرع جواز الحكم ونفوذه على كونه خليفة.
فيظهر بجميع ذلك أن القضاء من شؤون الإمامة والخلافة.
والآيات الثلاث كما مر مرتبطة بحسب المضمون، وقد مر تفسير الأمانة في الآية