الأكابر.
أليس كل ذلك إنما نلتموه بما يرجى عندكم من القيام بحق الله وإن كنتم عن أكثر حقه تقصرون؟ فاستخففتم بحق الأئمة. فأما حق الضعفاء فضيعتم، وأما حقكم بزعمكم فطلبتم.
فلا مالا بذلتموه، ولا نفسا خاطرتم بها للذي خلقها، ولا عشيرة عاديتموها في ذات الله.
أنتم تتمنون على الله جنته ومجاورة رسله وأمانا من عذابه. لقد خشيت عليكم أيها المتمنون على الله أن تحل بكم نقمة من نقماته، لأنكم بلغتم من كرامة الله منزلة فظلتم بها، و من يعرف بالله لا تكرمون، وأنتم بالله في عباده تكرمون، وقد ترون عهود الله منقوضة فلا تفزعون وأنتم لبعض ذمم آبائكم تفزعون، وذمة رسول الله محقورة (مخفورة خ. ل)، والعمى والبكم والزمني في المدائن مهملة لا ترحمون، ولا في منزلتكم تعملون، ولا من عمل فيها تعينون (تعنون خ. ل)، وبالادهان والمصانعة عند الظلمة تأمنون، كل ذلك مما أمركم الله به من النهي والتناهي وأنتم عنه غافلون.
وأنتم أعظم الناس مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء لو كنتم تشعرون (تسعون خ. ل وفي الوافي: " لو يسعون "). ذلك بأن مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله، الأمناء على حلاله وحرامه. فأنتم المسلوبون تلك المنزلة، وما سلبتم ذلك إلا بتفرقكم عن الحق واختلافكم في السنة بعد البينة الواضحة، ولو صبرتم على الأذى، وتحملتم المؤونة في ذات الله كانت أمور الله عليكم ترد، وعنكم تصدر، وإليكم ترجع، ولكنكم مكنتم الظلمة من منزلتكم، واستسلمتم أمور الله في أيديهم، يعملون بالشبهات ويسيرون في الشهوات.
سلطهم على ذلك فراركم من الموت، وإعجابكم بالحياة التي هي مفارقتكم، فأسلمتم الضعفاء في أيديهم، فمن بين مستعبد مقهور، وبين مستضعف على معيشته مغلوب. يتقلبون في الملك بآرائهم، ويستشعرون الخزي (الجري - وافي) بأهوائهم، اقتداء بالأشرار وجرأة على الجبار. في كل بلد منهم على منبره خطيب يصقع (مسقع - وافي). فالأرض لهم شاغرة و أيديهم فيها مبسوطة، والناس لهم خول، لا يدفعون يد لامس، فمن بين جبار عنيد، وذي سطوة على الضعفة شديد، مطاع لا يعرف المبدئ المعيد. فيا عجبا! ومالي لا أعجب: والأرض (كلمة " والأرض " ليست في الوافي، ولعله أصح.) من غاش غشوم، ومتصدق ظلوم، وعامل على المؤمنين بهم غير رحيم. فالله الحاكم فيما فيه تنازعنا، والقاضي بحكمه فيما شجر بيننا.
اللهم إنك تعلم أنه لم يكن ما كان منا تنافسا في سلطان، ولا التماسا من فضول الحطام، ولكن