أنه يجب على العلماء والفضلاء في مقام الاستدلال بنص الكتاب أو الحديث، المراجعة التامة لنفس الكتاب وكتب الحديث، وعدم الاكتفاء بالمقطعات المنقولة في بعض الكتب والمؤلفات. هذا.
فإن قلت: المتأمل في الحديث يشاهد أن الإمام (عليه السلام) بصدد توبيخ العصابة المعاصرة له، وأنها لم تقم بما عليها من التكاليف وداهنوا الظلمة وتفرقوا عن الحق، فكيف يمكن أن يعبر عنهم بالعلماء بالله، الأمناء على حلاله وحرامه؟ فالمراد بالعلماء بالله في الحديث هم الأئمة الإثنى عشر، كما ذكره هذان العلمان. ويؤيد ذلك قول الإمام الصادق (عليه السلام): " نحن العلماء وشيعتنا المتعلمون. " (1) وأما قوله (عليه السلام): " وأنتم أعظم الناس مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء لو كنتم تشعرون "، فلا يراد أن منازل العلماء كانت لهذه العصابة فسلبت عنهم، بل المراد أن قيادة الأئمة الذين هم العلماء بالحقيقة لو استقرت كانت لهم وبنفعهم وكانت بركاتها تعود إليهم، فلما اختلفت العصابة في الحق وتفرقوا عن الأئمة (عليهم السلام) سلبت عنهم قيادة الأئمة وبركاته، ولذا قال الإمام (عليه السلام): " منازل العلماء "، ولم يقل: " منازلكم ".
واما قوله (عليه السلام) بعد ذلك: " ولو صبرتم على الأذى وتحملتم المؤونة في ذات الله كانت أمور الله عليكم ترد وعنكم تصدر و إليكم ترجع "، فالمراد به أنكم لو لم تتخاذلوا عن نصرة الإمام ولم تستخفوا بحق الأئمة استقرت سلطة الإمام فصرتم أنتم بالطبع من المشاورين له ومن بطانته وأمرائه والمراجع لأمور المسلمين. والقضية قضية شخصية خارجية، فليس في الحديث دلالة لا على نصب العلماء ولاعلى اشتراط العلم والفقاهة.
ويشهد لما ذكرناه من إرادة الأئمة (عليهم السلام) قول الإمام (عليه السلام): " فاستخففتم بحق الأئمة "، و قوله في آخر الحديث: " فالله الحاكم فيما فيه تنازعنا " إلى قوله: " فإنكم إن لا تنصرونا وتنصفونا قوى الظلمة عليكم. "