قلت: هذه غاية ما يوجه به الحديث لتطبيقه على خصوص الأئمة الاثني عشر، و لكن كونه مخالفا لظاهر الحديث واضح، فالظاهر أن المراد به مطلق العلماء بالله، و مراده (عليه السلام) أنكم لو عملتم بواجباتكم كنتم من العلماء بالله، الأمناء على حلاله وحرامه، وجرت الأمور بأيديكم، وكانت أمور الله عليكم ترد وعنكم تصدر وإليكم ترجع، ولكنكم تركتم تكاليفكم، فسلبت عنكم منزلتكم، وتمكنت الظلمة من منزلتكم.
ثم على فرض التسليم لما ذكره هذا القائل فنقول: لا نسلم كون القضية شخصية، إذ يستفاد من الحديث اجمالا أن جريان الأمور السياسية يجب أن يكون على أيدي العلماء بالله، الأمناء على حلاله وحرامه. والأئمة الاثنا عشر هم المصاديق البارزة لهذا العنوان، لا أنه منحصر فيهم، فتدبر. هذا.
وعلى ما ذكرنا فهل يريد (عليه السلام) بكلامه النصب وجعل الولاية للعلماء من قبل الله - تعالى - أو من قبل الإمام (عليه السلام) نظير ما نعتقده من نصب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين (عليه السلام) في غدير خم، أو يريد بيان أنه يشترط في الحكام على المسلمين أن يكونوا من العلماء بالله، الأمناء على حلاله وحرامه، فيجب على العلماء وعلى الأمة أن يحققوا ذلك حتى تصير أمور الله عليهم ترد وعنهم تصدر، وذلك بأن يتحد العلماء ويأخذوا بالكتاب والسنة ويدعوا الناس إلى المعروف وتقبل الأمة إليهم و يساعدوهم على ذلك فلا يخلو ميدان السياسة لأهل الهوى والظلمة، فالحديث في مقام بيان الحكم الشرعي وأن الشرط في الحكام كونهم من أهل العلم والأمانة؟
ظاهر بعض الأساتذة الاحتمال الأول. ومقتضاه كون جميع الفقهاء الواجدين للشرائط في عصر صدور الحديث وفيما بعده حكاما منصوبين بالفعل.
ولكن الالتزام بهذا مشكل ولا سيما في عصر صدوره، حيث كانت الإمامة الكبرى لنفس الإمام (عليه السلام) عندنا. وسيأتي تفصيل المسألة، وأن فعلية الولاية للفقهاء بالنصب أو بانتخاب الأمة في الباب الخامس، فانتظر.