المطلوب، في أوقات متقاربة، لأن القوة الدافعة لهم قد وجدت في وقت واحد، من خلال تطور الإنتاج.
ولكن هذا ليس هو التفسير الوحيد الممكن لهذه الظاهرة. بل من الممكن تفسيرها عن طريق تشابه أولئك العلماء، في الخبرة والشروط الفكرية والسيكولوجية، والمستوى العلمي العام.
والدليل على إمكان هذا التفسير، وجود هذه الظاهرة التي ندرسها، في الحقول العلمية النظرية، البعيدة عن مشاكل الإنتاج وتطوراته. فقد توصل مثلا ثلاثة من علماء الاقتصاد السياسي، في وقت واحد إلى (النظرية الحدية) في تفسير القيمة، وهم (جيفونز) الإنجليزي سنة (1871) و (فالرأس) السويسري سنة (1874)، و (كارل منجر) النمساوي سنة (1871). ومن الواضح الحدية، ليست إلا تفسيرا نظريا معينا لظاهرة اقتصادية قديمة، في حياة المجتمع الإنساني، وهي القيمة التبادلية. فلا علاقة للمحتوى العلمي للنظرية، بمشاكل الإنتاج أو تطور القوى الطبيعية المنتجة، ولم تستمد دليلها من هذا التطور.
فما هو تفسير وصول ثلاثة من أقطاب الاقتصاد، في وقت واحد تقريبا إلى وجهة نظر معينة، في تفسير القيمة، سوى أنهم كانوا متقاربين في شروطهم الفكرية، وقدرتهم التحليلية؟!.
د - وأما تبعية العلوم الطبيعية لتطور القوى المنتجة، بوصفه المصدر الذي يمون العلم بأدوات البحث الضرورية له، فهي في الواقع علاقة مقلوبة، ذلك أن العلوم الطبيعية، وإن كانت تنمو وتتكامل طبقا لما تظفر به، أدوات التجربة والاختبار، من مراقب ومجاهر وآلات تسجيل، وما إليها.. ولكن هذه الأدوات نفسها، ليست إلا نتاجا للعلم، يقدمه العلم بين يدي العلماء، ليتيح لهم استخدامه في الوصول إلى مزيد من النظريات، واستكشاف الأسرار المجهولة. فاختراع المجهر في القرن السابع عشر، كان ثورة في وسائل الإنتاج، لأنه استطاع أن يزيح الستار عن دنيا مجهولة، لم يكن قد اطلع عليها الإنسان قط، ولكن ما هو المجهر؟. إنه نفسه ليس إلا نتاجا للعلم،