ولاكتشاف قوانين الضوء، وكيفية انعكاسه على العدسات. ويجب أن نعرف بهذا الصدد، أن قصة العلم لا تتمثل كلها في الأدوات فما أكثر الحقائق التي كانت أدوات اكتشافها جاهزة، ولكنها ظلت مستورة عن عين الانسان، حتى بلغ التفاعل والتكامل في الفكر العلمي إلى درجة سمحت له باكتشاف الحقيقة، وصوغها في مفهوم علمي خاص. ويمكننا أن نقدم مثلا بسيطا على ذلك، من فكرة الضغط الجوي، هذه الفكرة التي تعتبر من الفتوحات الكبرى للعلم، في القرن السابع عشر. فهل تدري كيف سجل العلم هذا الفتح العظيم؟. إنه سجله في فكرة طرأت على ذهن (تورتشيلي)، إذ لاحظ أن المضخة لا تستطيع أن ترفع الماء إلى أكثر من (34) قدما. وقد سبقه إلى هذه الملاحظة آلاف من رجال الأعمال، خلال قرون، كما سبقه إليها بوجه خاص العالم الكبير (جاليلو)، ولكن الشيء العظيم الذي قدر (لتروتشيلي)، أن يقدمه إلى العلم، هو تفسير الظاهرة، التي كانت معروفة منذ قرون. فقد قال ان الحد الذي ترفع المضخة إليه الماء، فلا تزيد عنه (34 قدما)، قد يكون هو مقياس ما للجو من ضغط، وإذا كان الضغط الجوي قادرا على حمل عمود من الماء طوله (34 قدما). فهو لابد حامل عمودا من الزئبق أقصر من العمود المائي لأن الزئبق أثقل من الماء، وسرعان ما تأكد من صحة هذه النتيجة، وأقام عن طريقها الدليل العلمي على وجود الضغط الجوي، الأمر الذي قام على أساسه عدد عظيم من الكشوف والاختراعات.
فمن حقنا أن نقف عند هذا الكشف العلمي، بوصفه حادثا تاريخيا، لنتساءل: لماذا وجد هذا الحدث العلمي في فترة معينة، من القرن السابع عشر، ولم يتحقق قبل ذلك؟!، أو لم تكن الظاهرة التي وضع (تورتشيلي) نظريته في ضوئها، معروفة خلال قرون، منذ بدء استعمال المضخات المائية؟!، أو لم تكن التجربة التي قام بها لإثبات النظرية علميا، ميسورة لغيرة ممن التفت إلى الظاهرة، ولم يحاول أن يفسرها؟!.