في تفسيرها للحياة العلمية إلى الإنتاج أيضا، كما تصل اليه عند نهاية كل شوط، في تحليل حركة التاريخ وعلميته المتعددة الجوانب. فكل مرحلة تاريخية تتكيف اقتصاديا وفقا لأساليب ها في الإنتاج، وتساهم في الحركة العلمية في المدى الذي يفرضه واقعها الاقتصادي، وحاجاتها المادية النابعة من هذا الواقع. فاكتشاف العلم للقوة البخارية المحركة، في أواخر القرن الثامن عشر مثلا، كان وليد الظروف الاقتصادية، ونتيجة لحاجة الإنتاج الرأسمالي إلى قوة ضخمة، لتحريك الآلات التي يعتمد عليها هذا الإنتاج. وكذلك سائر الكشوف والتطورات، التي يحفل بها تاريخ العلم.
وقد ذكر (روجيه غارودي)، لإيضاح تبعية العلوم للوضع الاقتصادي والتكنيكي، للقوى المنتجة: أن المستوى التكنيكي، الذي تبلغه القوى المنتجة، هو الذي يضع أمام العلم قضايا، ويحتم عليه بحثها وحلها، فيتقدم ويتكامل وفقا لما يعالجه من هذه القضايا، النابعة من تطور القوى المنتجة، ووضعها الفني والتكنيكي. وعلى هذا الأساس يفسر لنا (غارودي)، كيف أن اكتشافا واحدا قد يتوصل اليه عدة علماء في آن واحد، كاكتشاف التعادل بين الحرارة والعمل، الذي حققه علماء ثلاثة، في وقت واحد، وهم: (كارنو) في فرنسا، و (جول) في انكلترا، و (ماير) في ألمانيا، وكما يقدم تطور القوى المنتجة بين يدي العلم القضايا، التي يجب عليه حلها، كذلك يعبر لنا (غارودي) عن وجه آخر،، تبعية العلوم لوضع القوى المنتجة، وهو أن تطورها يهئ للعلم أدوات البحث التي يستخدمها، ويؤمن له مجموعة الأدوات الضرورية للمراقبة والاخبار (1).
وفيما يلي نلخص ملاحظاتنا، على هذا الموقف الماركسي في تفسير العلم:
أ - إذا استثنينا العصر الحديث، نجد أن المجتمعات التي سبقته إلى الوجود، كانت متقاربة إلى حد كبير في وسائل الإنتاج وأساليبه، ولم يكن بينها أي فرق جوهري من هذه الناحية. فالزراعة البسيطة، والصناعة اليدوية، هما الشكلان الرئيسيان