وأقامت مكانها جمهورية يرأسها (كرومويل)، اضطر فيلسوفنا المادي، إلى الفرار والالتجاء إلى فرنسا، التي كانت معقلا قويا للملكيين. وهناك استمر في مناصرته الفكرية للملكية المطلقة، ووضع كتابه (التنين)، الذي ضمنه فلسفته السياسية، وأكد فيه على ضرورة سلب أفراد الشعب خيراتهم، وإقامة الملكية على أساس من الاستبداد المطلق. وفي الوقت الذي كانت تركد فيه الفلسفة المادية، هذا الاتجاه السياسي، على يد (هوبز) كانت الفلسفة (الميتافيزيقية) تقف موقفا معاكسا، يتمثل في عدة من أبطالها المفكرين، الذين عاصروا (هوبز) كالفيلسوف الصوفي الكبير (باروخ سبينوزا) الذي آمن بحق الشعب في انتقاد السلطة، بل وفي الثورة عليها. ودعا إلى الحكم الديمقراطي قائلا: (كلما اتسعت مشاركة الشعب في الحكم، قوي التحاب والاتحاد) فأي الفلسفتين كانت تسير في ركاب الأرستقراطية والاستبداد؟!.
فلسفة (هرقليط) الأرستقراطي، أم فلسفة أفلاطون واضع كتاب الجمهورية. فلسفة هوبز) الاستبدادي، أم فلسفة (سبينوزا)، القائل بحق الشعب في الحكم.
بقي علينا أن نلاحظ شيئا آخر، وهو: أن التفكير الفلسفي لما كان طبقيا في رأي الماركسية، فهو تفكير حزبي دائما. فلا يمكن لأي باحث فلسفي، أن يدرس مسائل الفكر الإنساني، دراسة موضوعية نزيهة، فبل الدراسات الفكرية كلها ذات لون حزبي صارخ، ولأجل هذا لا تتحاشى الماركسية عن إبراز الطابع الحزبي لفلسفتنا وتفكيرها الخاص، والاعتراف باستحالة النزعة الموضوعية في البحث بالنسبة إليها، وإلى كل المفكرين، وتكرر دائما: أن النزعة الموضوعية والنزاهة التامة في البحث، ليست إلا أسطورة بورجوازية يجب القضاء عليها قال الكاتب الماركسي الكبير (تشاغين):
((لقد ناضل لينين بثبات وإصرار... ضد النزعة الموضعية في النظرية، وضد اللا تحيز واللا حزبية البورجوازيين. ومنذ عام 1890 سدد لينين طعنة نجلاء، إلى النزعة الموضوعية البورجوازية، التي كان ينادي بها الماركسيون الشرعيون، أولئك الذين كانوا ينتقدون بالموقف الحزبي في النظرية، ويطالبون