التشديد على الموقف الحزبي في الفلسفة، والتحيز في كل مجال فكري إلى وجهة نظر الطبقة التي تدافع عن مصالحها فإن كانت تعين بذلك أن من الضروري للفلاسفة الماركسيين أن يجعلوا مصلحة الطبقة العاملة، هي المعيار فيما يقبلون ويرفضون من آراء، فلا يسمحون لأنفسهم بتبني أي فكرة، تتعارض مع تلك المصلحة، وإن توفرت عليها الأدلة والبراهين.. فمعنى هذا أنها تنتزع من نفوسنا الثقة بأقوالها، وتجعلنا نشك في إيمانها بأي رأي تبديه، أو أخطائه، التي كان يكافح في سبيلها، ويعرضها بوصفها معاجز التفكير الحديث.
وأما إذا كانت تعني الماركسية من الموقف الحزبي، أن كل فرد ينتمي إلى طبقة ويدافع عن مصالحها، ينساق دون قصد إلى ما يتفق مع مصالح تلك الطبقة من مفاهيم وآراء، ولا يمكن أن يتجرد عن وصفه الطبقي خلال البحث، مهما حاول اصطناع النزعة الموضوعية وتكلفها، إذا كانت الماركسية تعني هذا، فإنه يؤدي بها إلى النسبة الذاتية التي تحاربها دائما.
ولعل القارئ يتذكر النسبية الذاتية، من بين المذاهب التي استعرضناها في نظرية المعرفة من (فلسفتنا) وهو المذهب القائل: بأن الحقيقة ليست مطابقة الفكرة للشروط الخاصة، التي توجد في تركيب الفرد العضوي والنفسي فالحقيقة بالنسبة إلى كل شخص، ما تتفق مع تركيبه الخاص، لا يطابق الواقع الخارجي، وهي لأجل ذلك نسبية ذاتية، بمعنى أنها تختلف من فرد لأخر.
والماركسية تشن حملة عنيفة ضد النسبية الذاتية، وتعتبر الحقيقة هي مطابقة الفكرة للواقع الموضوعي، غير أن الواقع الموضوعي لما كان متطورا، فالحقيقة التي تعكسه متطورة أيضا، فهي حقيقة نسبية، ولكن النسبية هنا موضوعية، تابعة لتطور الواقع الموضوعي، وليست ذاتية تابعة للتركيب العضوي والنفسي للفرد المفكر. هذا