ولهذا أخذت الماركسية تفتش عن السبب الأصيل لنشوء الدين، من خلال الوضع الاقتصادي للمجتمع، حتى وجدت هذا السبب المزعوم في التركيب الطبقي للمجتمع. فالواقع السيء الذي تعيشه الطبقة المضطهدة في المجتمع الطبقي، تفجر في ذهنيتها البائسة الأفكار الدينية، لتستمد منها السلوة والعزاء.
قال ماركس:
((إن البؤس الديني، لهو التعبير عن البؤس الواقعي، والاحتجاج على هذا البؤس الواقعي في وقت معا. الدين زفرة الكائن المثقل بالألم، وروح عالم لم تبق فيه روح، وفكر عالم لم يبق فيه فكر، إنه أفيون الشعب. إذن فنقد الدين هو الخطوة الأولى، لنقد هذا الوادي الغارق في الدموع)) (1).
وتتفق محاولات الماركسية بهذا الصدد، على نقطة واحدة هي: أن الدين حصيلة التناقض الطبقي في المجتمع، ولكنها تختلف في الطريقة التي نشأ بها الدين عن هذا التناقض. فتجنح الماركسية أحيانا إلى القول: بأن الدين هو الأفيون الذي تسقيه الطبقة الحاكمة المستغلة، للطبقة المحكومة المضطهدة، كي تنسى مطالبها ودورها السياسي، وتستسلم إلى واقعها السيء. فهو على هذا أحبولة تنسجها الطبقة الحاكمة للصيد، وإغراء الكادحين والبائسين.
تقول الماركسية هذا، وهي تتغافل عن الواقع التاريخي الصارخ، الذي يدلل - بكل وضوح - على أن الدين كان ينشأ دائما في أحضان الفقراء والبائسين، ويشع في نفوسهم قبل أن يغمر بنوره المجتمع كله. فهذه هي المسيحية، لم يحمل لواءها في أرجاء العالم، وفي الإمبراطورية الرومانية على وجه خاص، إلا أولئك الرسل الفقراء، الذين لم يكونوا يملكون شيئا سوى الجذوة الروحية، التي تشتعل في نفوسهم. وكذلك لم يكن التكتل الأول، الذي احتضن الدعوة الإسلامية، وكان النواة للأمة الإسلامية، ليضم - على الأكثر - إلا الفقراء وأشباه الفقراء، من المجتمع المكي. فكيف يمكن أن يفسر الدين على أنه نتاج للطبقة الحاكمة، خلقته لتخدير (1) كارل ماركس ص 16 - 17.