ولأجل هذا تدخل الإسلام في تحديد حقوق الاختصاص هذه، فأنكر بعضها واعترف بالبعض الآخر، وفقا للمثل والقيم التي يتبناها. فقد أنكر مثلا حق المالك في التبذير بماله أو الاسراف به في مجال الانفاق، وأقر حقه في الاستماع به دون تبذير أو إسراف، وأنكر حق المالك في تنمية أمواله التي يملكها عن طريق الربا، وأجاز له تنميتها عن طريق التجارة ضمن حدود وشروط خاصة وتبعا لنظرياته العامة في التوزيع التي سوف ندرسها في الفصول المقبلة إن شاء الله.
والأمر الآخر الذي يستنتج من قاعدة: إن العمل سبب الملكية: هو تحديد مجال الملكية الخاصة وفقا لمقتضيات هذه القاعدة. فان العمل إذا كان هو الأساس الرئيسي للملكية الخاصة، فيجب أن يقتصر نطاق الملكية الخاصة على الأموال التي يمكن للعمل أن يتدخل في إيجادها أو تركيبها، دون الأموال التي ليس للعمل فيها أدنى تأثير.
وعلى هذا الأساس تنقسم الأموال بحسب طبيعة تكوينها وإعدادها: إلى ثروات خاصة وعامة.
فالثروات الخاصة: كل مال يتكون أو يتكيف طبقا للعمل البشري الخاص المنفق عليه، كالمزروعات والمنسوجات، والثروات التي أنفق عمل في سبيل استخراجها من الأرض والبحر أو اقتناصها من الجو فإن العمل البشري يتدخل هنا: إما في تكوين نفس المال كعمل الزراع بالنسبة إلى الناتج الزراعي، وإما في تكييف وجوده وإعداده بالصورة التي تسمح بالاستفادة منه، كالعمل المبذول في استخراج الكهرباء من القوى المنتشرة في الطبيعة، أو اخراج الماء أو البترول من الأرض. فالطاقة الكهربائية والكميات المستخرجة من الماء أو البترول.. ليست مخلوقة للعمل البشري، ولكن العلم هو الذي كيفها وأعدها بالصورة التي تسمح بالاستفادة منها.
وهذه الثروات التي يدخل العمل البشري في حسابها هي المجال المحدود في الإسلام للملكية الخاصة، أي النطاق الذي سمح الإسلام بظهور الملكية الخاصة فيه، لأن العمل أساس الملكية، وما دامت تلك الأموال ممتزجة بالعمل البشري فللعامل أن يتملكها، ويستعمل حقوق التملك من استمتاع واتجار وغيرهما.