ونجم عن ذلك: أن تخلت المبادلة عن وظيفتها الصالحة في الحياة الاقتصادية، كواسطة بين الإنتاج والاستهلاك، وأصبحت واسطة بين الإنتاج والادخار. فالبائع ينتج ويبيع ويبادل منتوجه بنقد ليدخر هذا النقد ويضمه إلى ثروته المكتنزة، والمشتري يقدم النقد إلى البائع ليحصل على السلعة التي يبعها، ثم لا يتمكن هو بعد ذلك أن يبيع منتوجه بدوره، لأن البائع اكتنز النقد وسحبه من مجال التداول.
ونتج عن ذلك أيضا اختلال كبير في التوازن بين كمية العرض وكمية الطلب: ذلك أن العرض والطلب كانا يميلان إلى التساوي في عصر المقايضة، لأن كل منتج كان ينتج لإشباع حاجاته واستبدال الفائض عن حاجته بسلع أخرى يحتاجها في حياته، من غير النوع الذي ينتجه. فالمنتوج دائما يوازي حاجته أي أن العرض دائما يجد طلبا مساويا له. وبذلك تتجه أثمان السوق إلى درجتها الطبيعية، التي تعبر عن القيم الحقيقية للسلع وأهميتها الواقعية في حياة المستهلكين وبعد أن بدأ عصر النقد وسيطر النقد على التجارة، واتجه الإنتاج والبيع اتجاها جديدا حتى أصبح الإنتاج والبيع لأجل اكتناز النقد وتنمية الملك لا لأجل إشباع الحاجة. عند ذلك يختل طبعا التوازن بين العرض والطلب، وتلعب دواعي الاحتكار دورها الخطير في تعميق هذا التناقض بين العرض والطلب، حتى أن المحتكر قد يخلق طلبا كاذبا فيشتري كل أفراد السلعة من السوق لا لحاجته إليها بل ليرفع ثمنها، أو يعرض السلعة بأثمان دون كلفتها، بقصد إلجاء المنتجين والبائعين الآخرين إلى الانسحاب من ميدان التنافس وإعلان الإفلاس.. وهكذا تتخذ الأثمان وضعا غير طبيعي، ويصبح السوق تحت سيطرة الاحتكار، ويتهاوى آلاف البائعين والمنتجين الصغار كل حين، بين أيدي المحتكرين الكبار الذين سيطروا على السوق.
ثم ماذا بعد ذلك؟! ليس بعد ذلك لا ان نرى الأقوياء في الحقل الاقتصادي، يغتنم هذه الفرص التي أتاحها لهم النقد، فيتجهون نحو الاكتناز بكل قواهم، نحو البيع لأجل الادخار، فيظلون ينتجون ويبيعون ليسحبوا النقد