كيف تؤدي الوكالة وظيفتها الاجتماعية التي خلقت لأجلها، وهي تيسير عمليات التداول؟
ولكن هذه الوكالة لم تقف عند هذا الحد على مر الزمن، بل أخذت تلعب دورا خطيرا في الحياة الاقتصادية، حتى تمخض ذلك عن صعاب ومشاكل لا تقلا عن مشاكل المقايضة وصعابها، غير أن تلك مشاكل طبيعية، وأما المشاكل الجديدة التي نتجت عن وكالة النقد فهي مشاكل إنسانية، تعبر عن ألوان الظلم والاستغلال التي مهدت لها وكالة النقد عن السلعة في مجالات التداول.
ولكي نعرف ذلك، يجب أن نلاحظ التطورات التي حصلت في عمليات المبادلة نتيجة لتبدل شكلها، وقيامها على أساس النقد بدلا عن قيامها على أساس المقايضة المباشرة.
ففي المبادلة القائمة على أساس المقايضة، لم يكن يوجد حد فاصل بين البائع والمشتري، فقد كان كل من المتعاقدين بائعا ومشتريا في نفس الوقت، لأنه يدفع سلعة إلى صاحبه ويتسلم نظيرها سلعة أيضا. ولهذا كانت المقايضة تشبع بصورة مباشرة حاجة المتعاقدين معا، فيخرجان من عملية التداول وقد حصل كل منهما على السلعة التي يحتاجها في استهلاكه أو إنتاجه، كالحنطة أو المحراث. وفي هذا الضوء نعرف: أن الشخص في عصر المقايضة لم يكن يتاح له أن يتقمص شخصية البائع، دون أن يكون مشتريا في نفس الوقت، فلا بيع بدون شراء. والبائع يدفع بإحدى يديه سلعته إلى المشتري بوصفه بائعا، ليستلم منه بيده الأخرى سلعة جديدة بوصفه مشتريا. والبيع والشراء مزدوجان في عملية واحدة.
وأما في المبادلات القائمة على أساس النقد فالأمر يختلف اختلافا كبيرا، لأن النقد يضع حدا فاصلا بين البائع والمشتري، فالبائع هو صاحب السلعة، والمشتري هو الذي يبذل نقدا إزاء تلك السلعة. والبائع هو الذي يبيع حنطة ليحصل على قطن، بينما كان يستطيع أن يبيع حنطة ويحصل على حاجته من القطن في مبادلة واحدة، على أساس المقايضة. يصبح مضطرا الآن: إلى القيام بمبادلتين ليحصل على طلبته، يقوم في