ماركس، حين قدم هذا التفسير، لم يكن يهدف من وراءه إلى إدانة الرأسمالية أخلاقيا، بصفتها قائمة على أساس النهب والاغتصاب، وإن بدا في بعض الأحايين وكأنه يحاول شيئا من ذلك... لأن ماركس يعتبر الرأسمالية - في ظرف تكونها - حركة زحف إلى الأمام، ساعدت على السير بالإنسان في المنحنى التاريخي، نحو المرحلة العليا لحركة التطور البشري. فهي تتفق في ذلك الظرف - من وجهة رأيه - مع القيم الخلقية، إذ ليست القيم الخلقية عنده إلا وليدة الظروف الاقتصادية، التي تتطلبها وسائل الإنتاج، فإذا كانت القوى المنتجة تتطلب قيام النظام الرأسمالي، فمن الطبيعي أن تتكيف القيم الخلقية في تلك المرحلة التاريخية طبقا لمتطلباتها (1).
فليس من هدف ماركس إذن - ولا من حقه أن يستهدف على أساس مفاهيمه الخاصة - الحكم على الرأسمالية، من وجهة نظر أخلاقية، وإنما يهدف في دراسته للرأسمالية إلى تطبق المادية التاريخية على مجرى التطور التاريخي، وتحليل الأحداث وفقا لها. فما هو نصيبه من التوفيق في هذه الناحية؟
يمكننا قبل كل شيء أن نلاحظ بهذا الصدد، ما أصابه ماركس من التوفيق وما أتقنه بذكاء وبراعة من التصرف البارع بالألفاظ. ذلك أنه لاحظ لدى تحليل النظام الرأسمالي، أن هذا النظام يتضمن في أعماقه علاقة معينة، بين رأسمالي يملك وسائل الإنتاج وأجير لا يملك شيئا منها، وهو لذلك يتنازل عن منتوجه إلى الرأسمالي، أن هذا النظام الرأسمالي يتوقف على عدم وجود القوى المنتجة عند الفئات العاملة القادرة على ممارسة الإنتاج، وانحصارها لدى التجاريين، لتضطر تلك الفئات إلى العمل لأجرة عند هؤلاء. وهذه الحقيقة تعتبر واضحة دون مراء، غير أن ماركس كان بحاجة إلى لعبة لفظية ليصل عن طريق هذه الحقيقة إلى ما يعنيه، ولذلك غير من تعبيره، وانتقل من قوله ذاك إلى التأكيد على: أن سر التراكم الأول