من الأرباح التجارية، كما وقع في الجمهوريات التجارية الإيطالية (كالبندقية) و (جنوا) و (فلورنسة) وغيرها. فإن طبقة من التجاريين وجدت في هذه المدن قبل أن يخلق اجزاء الصناعة، أي قبل أن يوجد النظام الرأسمالي بمعناه الصناعي، الذي يفتش ماركس عن جذوره فكان الصناع يعملون لحسابهم الخاص، وكان أولئك التجار يشترون منهم منتوجاتهم للاتجار بها، فيجنون الأرباح الطائلة عن طريق التجارة مع الشرق، التي ازدهرت في أعقاب الحروب الصليبية. وازداد مركزهم التجاري نجاحا بتمكنهم من احتكار التجارة مع الشرق، عن طريق التفاهم مع سلاطين المماليك، أصحاب السيادة على مصر والشام، فتضاعفت أرباحهم، واستطاعوا عن هذا الطريق أن يتخلصوا من سلطة الاقطاع، وبالتالي أن يشيدوا المصانع الكبيرة التي اكتسحت - بالمنافسة - الصناعات اليدوية الصغيرة. فقام على هذا الأساس الإنتاج الرأسمالي، أو الرأسمالية الصناعية.
وثانيا: أن وجهة النظر الماركسية لا تكفي لحل المشكلة، لأنها لا تزيد على القول: بأن الحركة التاريخية التي جردت العمال المنتجين من وسائلهم، وحصرتها في أيدي التجاريين، هي التي خلقت التراكم الرأسمالي الأول، ولكنها لا تفسر لنا: كيف أن فئة معينة استطاعت أن تكتسب سلطة الإخضاع والعنف، وتجرد المنتجين من وسائل إنتاجهم بالقوة؟
وثالثا: هب أن سلطة الإخضاع والعنف هذه ليست بحاجة إلى تفسير، ولكنها لا تصلح أداة ماركسية لتفسير التراكم الرأسمالي الأول، وبالتالي للنظام الرأسمالي كله، لأنها ليست تفسيرا اقتصاديا، فهي لا تنسجم مع جوهر المادية التاريخية، أن يعلل التراكم الرأسمالي الأول، ووجود الطبقة الرأسمالية تاريخيا، بسلطة الاغتصاب والإخضاع، وهي علة ليست اقتصادية بطبيعتها؟! والحقيقة ان ماركس بهذا التحليل يهدم منطقه التاريخي بنفسه، ويعترف ضمنا بأن التكوين الطبقي لا يقوم على أساس اقتصادي بحت.