وقد كان جديرا به - وفقا لأسس المادية التاريخية - أن يأخذ بوجهة النظر التقليدية، في تفسير ظهور الطبقة الرأسمالية، تلك النظرة التي سخر منها بالرغم من أنها تقدم تفسيرا أقرب إلى الطبيعة الاقتصادية من التفسير الماركسي.
وأخيرا: فإن كل ما يعرضه لنا ماركس بعد ذلك في فصول كتابه، من شواهد تاريخية على حركة الاغتصاب والتجريد التي فسر فيها التراكم الأول، قد استخرجها من تاريخ انكلترا فحسب، وهي تعرض الاغتصابات التي قام بها الإقطاعيون في انكلترا. إذ جردوا الفلاحين من أراضيهم وحولوها إلى مراع، وألقوا بأولئك المطرودين في أسواق البورجوازية الفتية. فهي عمليات تجريد الفلاح من أرضه لحساب الإقطاعي، وليست حركة تجريد للصانع من وسائل الإنتاج لحساب التجاريين.
وقبل ان نتجاوز عن هذه النقطة، نود أن نلقي نظرة عابرة على عشرات الصفحات التي ملأها ماركس من كتاب رأس المال، بوصف تلك العمليات العنيفة، التي جرد فيها الإقطاعيون الفلاحين، أراضيهم، ومهدوا بذلك لقيام النظام الرأسمالي.
إن ماركس في وصفه المثري، يقتصر على الأحداث التي وقعت في انكلترا خاصة، ويوضح لدى استعراضه لتلك الأحداث: ان السبب الحقيقي الذي دعا الإقطاعيين إلى استعمال ألوان العنف، في طرد الفلاحين من أراضيهم، هو أنهم أرادوا تحويل مزارعهم إلى مراع للحيوانات، فلم يعد لهم حاجة بهذا الجيش الكبير من الفلاحين. ولكن لماذا وجد - هكذا وفجأة - هذا الاتجاه العام، إلى تحويل المزارع إلى مراع؟. إن ماركس يجيب على ذلك قائلا:
((إن الذي فسح المجال بصورة خاصة في إنجلترا لأعمال العنف، هذا هو ازدهار مصانع الصوف في (الفلاندر)، وما نتج عنه من ارتفاع أسعار الصوف)) (1).
ولهذا الجواب مغزاه التاريخي الخاص، وإن لم يعره ماركس اهتماما، لأنه يقرر