ونقرأ للماركسية من ناحية أخرى، نصا آخر عن عامل القوة، على النقيض من ذلك في كتب أنجلز علمها الفكري الثاني. فقد كتب يقول عن التطورات الرأسمالية:
((يمكن تفسير هذه العملية بأجمعها، بعوامل اقتصادية بحتة، وما من حاجة قط في هذا التفسير إلى اللصوصية (القوة) (التدخل) الحكومي أو السياسي بأي نوع كان. لا يبرهن تعبير: (الملكية المؤسسة على القوة) في هذا الصدد كذلك، إلا على أنه عبارة يجترها مغرور، ليغطي على حرمانه من فهم مجرى الأمور الواقعي)) (1).
ونحن حين نقرأ لماركس وصفه التحليل المثير، لظروف الرأسمالية الإنجليزية وواقعها التاريخي، لا نجد أي مبرر لرفضه أو الاعتراض عليه، لأننا لا نفكر بطبيعة الحال في الدفاع عن التاريخ الأسود الذي سجلته أوروبا، في مطلع نهضتها المادية الطاغية، التي نشأت الرأسمالية في ظلالها. ولكن الأمر يختلف حين نأخذ تحليله للرأسمالية ونشوئها، بوصفه معبرا عن الضرورة التاريخية التي لا يمكن علميا للإنتاج الرأسمالي في الصناعة. أن يشيد صرحه بدونها، فماركس حين ينطلق من الواقع الرأسمالي الذي عاشته انكلترا مثلا، له كل الحق في أن يفسر ثروتها الرأسمالية المتنامية، في فجر تاريخها الحديث، بالنشاطات الاستعمارية المسعورة، التي ارتكبت فيها ألوان الجرائم في مختلف بقاع الأرض، وبعمليات تجريد الصناعة من وسائل إنتاجهم بالقوة.. غير أن هذا لا يبرهن علميا على أن الرأسمالية يمكن أن توجد دون تلك النشاطات والعمليات، وأنها تحمل في أعماقها الضرورية التاريخية لهذه النشاطات، الأمر الذي يعني أن انكلترا كان من الضروري أن تشهد تلك النشاطات والعمليات في مطلع الرأسمالية، ولو كانت تعيش في اطار فكر آخر، بل إن التاريخ يبرهن على عكس ذلك. فقد قام الإنتاج الرأسمالي في (فلاندرز) وإيطاليا في القرن الثالث عشر، ونشأت فيها مؤسسات رأسمالية، ينتج فيها آلاف من الاجراء سلعا