بها، أو كمن تتحرك غريزة الجوع في نفسه بكل إفرازاتها الجسدية عندما يشم رائحة الطعام ".
" وهكذا نتصور موقف يوسف، فقد أحس بالإنجذاب في إحساس لا شعوري، وهم بها استجابة لذلك الإحساس، كما همت به، ولكنه توقف ثم تراجع.. ورفض الحالة بحزم وتصميم، لأن المسألة عنده ليست مسألة تصور سابق وموقف متعمد، وتصميم مدروس، كما هي المسألة عندها، ليندفع نحو خط النهاية كما اندفعت هي، ولكنها كانت مسألة انجذاب جسدي يشبه التقلص الطبيعي، والاندفاع الغريزي.. إنها لحظة من لحظات الإحساس، عبرت عن نفسها ثم ضاعت وتلاشت أمام الموقف الحاسم والعقيدة الراسخة أو القرار الحازم.. المنطلق من حساب دقيق لموقفه من الله، فيما ينطلق فيه من عقيدة، وفيما يتحرك فيه من خط، وفيما يقبل عليه من عقاب الله، لو أطاع إحساسه.. وهذا ما عبر عنه قوله تعالى: {لولا أن رءا برهان ربه} فيما تعنيه كلمة " البرهان " من الحجة في الفكرة التي تقوده إلى وضوح الرؤية، فتكشف له حقيقة الأمر، فيحس بعمق الإيمان، أنه لا يملك أية حجة فيما يمكن أن يقدم عليه، بل الحجة كلها لله.. وربما كان جو هذه الآية هو جو قوله تعالى: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} وقد نستوحي ذلك من مقابلة كلمة " هم بها " لكلمة " همت به " فقد اندفعت عليه بكل قوة وضراوة واشتهاء، فحركت فيه قابلية الاندفاع.. وكاد أن يندفع عليها لولا يقظة الحقيقة في روحه، وانطلاقة الإيمان في قلبه.. وبذلك كان الموقف اليوسفي، فيما هو الإنجذاب، وفيما هو التماسك والتراجع والانضباط، مستوحى من الكلمة، ومن الجو الذي يوحي به السياق معا " (1).
الكاتب هو " الكاتب "، والدواعي هي هي، كما الوسائل والغايات.. فلا يتوقع القارئ أي تغيير أو تبديل أو تحويل أو حتى تعديل في المنهج لا سيما بعد أن اطلعنا على بعض مفرداته فيما سبق من فصول.