الحليمات الذواقة بعضها عن بعض، شيئا قليلا في تذوقها وفي قدرتها على الاحتفاظ بطعم بعض المواد حتى بعد زوالها، وعلى هذا يقوم الطهاة المهرة في خلط الأطعمة ومزجها.
ومن أجل أن اللسان مفتقر بحكم مركزه ووظائفه إلى أن يكون حساسا قوي الاحساس ليلوك اللقمة ويدور بها من حنك إلى حنك، ومن سن إلى ضرس، ويستقصي أصغر أجزائها في مطاوي الفم وثنايا الأضراس، ويتقي بإحساسه المرهف كل ما يدخل الفم من المؤذيات من كاو ومحرق ولاذع وشائك وجارح، شاءت المصادفة أن تكون له حليمات للحس واللمس خاصة. كما سبق القول، وأن تكون هذه الحليمات (الخيطية) مرهفة جدا في رأس اللسان وجانبيه لا يساويها في دقة الاحساس إلا طرف البنصر.
ومن أجل أن اللسان آلة للمضغ والبلع فقد شاءت المصادفة أن تكون هذه العضيلة قوية، نشيطة، لعوبا، تلعابة، لعابية مخاطية، ولولا ذلك ما تم مضغ ولا بلع. فاللسان هو الذي يلاعب اللقمة ويلوكها ويعجنها عجنا باللعاب، حتى إذا اكتمل مضغها وأصبحت صالحة للبلع لفها بمخاطه، وضغطها بين سطحه وسقف الحلق، ودفعها بقوته وزلقها حتى تعبر قوس (اللهاة) فيكون البلع بعد ذلك بغير إرادة الآكل.
ومن أجل أن اللسان آلة للهضم فقد شاءت المصادفة أن يكون هضم الأطعمة مختلفا مكانه باختلاف عناصرها: فمنها ما يهضم في المعدة، ومنها ما يهضم في الأمعاء، ولكن شيئا واحدا منها وهو النشاء، لا يهضم في المعدة، بل أن عصارات المعدة تعيق هضمه وتبطل تحويله، ولذلك شاءت المصادفة أن يكون الوسط الوحيد الصالح لتحويل النشائيات إلى سكر وهضمها هو اللعاب ولولا هذا اللسان التلعاب الذي يمزج اللعاب باللقمة ويعجنها، لما تم هضم