بدون صمت، ولا إصابة بدون إمعان فكرة وإعمال بصيرة.
ومنها: إن بالصمت تكون أذنا المرء واقفتين بالمرصاد لكل ساقطة، فتلتقطان ما يحب، وتنبذان ما يكره كما قيل: (لكل ساقطة لاقطة) وقد يسمع المرء ما لا يفهم، ويفهم ما لا يعلم، فإذا يكون فتح بالصمت لذهنه وذاكرته بابي الفهم والعلم اللذين يغلقهما بإطلاق العنان للسانه. إذ ما من خلة ذميمة وسمة دنيئة، وعادة مستهجنة تكون تبعتها عائدة على الإنسان من لسانه، إلا أمكنه إلقاء تلك التبعة عنه في صمته، مستعيضا عنها بأجمل وأشرف منها، حيث ما بالتكلم نقص إلا بالصمت شرف يوازي ذلك النقص - من قبيل التناقض - ويميته، وما بالتكلم من أذى ولا ضعة إلا بالصمت سلامة من ذلك الأذى، ورفعة من تلك الضعة.
ونظرا لكثرة فوائده أخذت الأمم الراقية تتحلى بعقود درره المنظومة بسلك العلم والعمل (كاليابان) و (الإنكليز) و (الصين) وغيرهم فقد يخال من يمر بشوارعهم ويدخل أنديتهم أن القوم خرس وما بالقوم من خرس، وقد يكتفي أحدهم بالإشارة عن الصراخ المزعج، فيتعاطى (البوليس مثلا) أعمالا يندهش مثلنا كيف يتعاطاها بدون تكلم ولا اضطراب. بينما لأمر بسيط تختلف عمالنا وتشكل أعمالنا وتقوم الضوضاء بين أظهرنا. وبالنتيجة الانزعاج والقلق فالخصام ليس إلا!
فشتان بين عليم صموت وبين جهول كثير الكلام وبين مشير لقصد الوفاق وبين مثير لنار الخصام وقد أرى أن مثل المكثار: مثل تاجر يوزع بضائعه لزبائنه بدون نقد ولا طلب، غير مهتم إلا بالنفاد ساه عما يتكبده من الخسارة وفقد الأصحاب، تعب الفكر والوجدان، صفر اليدين من المال والنوال. ومثل الصموت الخبير