فكلمه. قال: فلبس (عليه السلام) نعله. فقلت له أنسيت اعتكافك. فقال له: لم أنس ولكني سمعت أبي يحدث عن جدي رسول الله (ص) أنه قال: " من سعى في حاجة أخيه المسلم فكأنما عبد الله عز وجل تسعة آلاف سنة صائما نهاره قائما ليله " وهذا الحديث يصور إعزاز الإسلام لعلائق الإخاء الجميل، وتقديره العالي لضروب الخدمات العامة التي يحتاجها المجتمع لإرساء أركانه وصيامة بنيانه لقد آثر الإمام (عليه السلام) أن يدع اعتكافه، والاعتكاف عبادة محضة رفيعة الدرجة عند الله لأنها استغراق في الصلاة والصيام والذكر، ثم هو في مسجد رسول الله (ص) حيث يضاعف الأجر ألف مرة فوق المساجد الأخرى. ومع ذلك فإن جوهر الإسلام جعله يدع ذلك ليقدم خدمة إلى مسلم يطلب العون. هكذا تعلم من رسول الله...
* * * إن أعباء الدنيا جسام تنزل بالناس كما يهطل المطر فيغمر الخصب والجدب. والإنسان وحده أضعف من أن يقف طويلا تجاه هذه الشدائد ولئن وقف إنه لباذل من الجهد ما كان في غنى عنه لو أن إخوانه هرعوا لنجدته وظاهروه في إنجاح قصده. وقد قيل: " المرء قليل بنفسه كثير بإخوانه ".
ومن حق الأخوة أن يشعر المسلم بأن إخوانه ظهير له في السراء والضراء وأن قوته لا تتحرك في الحياة وحدها، بل إن قوى المؤمنين تساندها وتشد أزرها.
قال رسول الله (ص): " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ". ومن ثم كانت الأخوة الخالصة نعمة مضاعفة، لا نعمة التجانس الروحي فحسب، بل نعمة التعاون المادي كذلك.
وقد كرر الله عز وجل ذكر هذه النعمة مرة ومرة في آية " واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا ".