يعطي من طرف اللسان حلاوة، وقلبه مفعم بالعداوة، يتظاهر بالجد في المصلحة وهو يضمر المفسدة، يبدو للناس الشاب العابد، والورع القانت، وبين جنبيه لئيم ماكر وعدو غادر. من كان كذلك إذا استمر على غشه ولم يرعو عن غيه، حتى بغتته المنية، حرم الله عليه الجنة، فلا يدخلها، بل لا يراح رائحتها العبقة الذائعة المنتشرة، إنما مأواه النار وما للظالمين من أنصار. وإن هذا لوعيد شديد، وعذاب أليم، وإنه للحق، والإنصاف والعدل. فإن من غش الآلاف أو الملايين، وسامهم الهوان والذل عشرات السنين، وحرمهم لذة الحياة ليستحق النكال أضعافا مضاعفة، وما ربك بظلام للعبيد.
أجل الرعية أمانة في يد الراعي. يجب عليه القيام بحفظها وحسن التعهد لها والعمل لمصلحتها، فمن ولاه الله شؤون الخلق من ملك وأمير، ورئيس ووزير ومدير ومأمور... يجب عليه أن يحوطهم بنصحه، ويخلص لهم في حكمه، فيكون لهم كما يكون لنفسه، يحب العدل معه والصدق فليكن معهم عادلا، وفي معاملتهم صادقا. يحب لنفسه السلامة والعافية، والعلم والثروة، فليعمل على سلامتهم من الأمراض ووقايتهم من الأضرار وليقم بينهم دور العلم ويسهل السبل إليه، ولينم ثروتهم بالجد في ترقية الصناعة وإقامة التجارة وتحسين الزراعة.
يحب الأمن على نفسه وماله وعرضه، فليكن لنفوسهم واقيا ولمالهم راعيا ولعرضهم صائنا، فيضرب على أيدي المفسدين بيد من حديد، لا يحركها إلا التربية والتأديب.
يحب لنفسه مجدا وعلوا، فليعمل لمجدهم وعزتهم وشرفهم وكرامتهم.
وبعبارة وجيزة: ليفرض نفسه واحدا منهم وليعاملهم بما يحب أن يعامل به.