واصطفاها لتصنع على أعين الناس خير أمة أخرجت للناس. حينما جاءت أنظمته وشرائعه، إنما كانت كليات عامة تصوغ روح الأشياء وتبدع ناموسها وتترك للناس التطبيق بما يلائم حياتهم ويحقق مصالحهم ويكفل سعادتهم وقوتهم وتنطلق عقولهم حرة لتجول في مرونة وسماحة مجتهدة مبتدعة منظمة متطورة.
والشريعة الإسلامية كائن حي دائم النماء لا يقف ولا يجمد، لأن الوقوف عن الحركة سنة الأموات، والجمود طبيعة العاجزين.
والكلية الإسلامية في الحكم، أنه عقد بين متعاقدين... بين الراعي والرعية، وهو من قبيل التعاون على البر والتقوى، لأن الحياة الإنسانية لا تقوم إلا بهذا التعاون ولا تستقيم إلا بهذا النظام.
والعقد أساسه الاختيار والرضا، لا التعسف والإكراه... إنه توكيل من المجموع للفرد الذي انتخبه هذا المجموع انتخابا شعبيا حرا ليكون راعيا لهم قائما بأماناتهم منفذا لشريعة الله بينهم، موفرا للحياة السعيدة الحرة الكريمة لهم.
فالسلطان ليس شخصا مقدسا حاكما بأمره، وليس وارثا لملك، ولا مهيمنا على عقائد الناس وقلوبهم، إنه طرف في عقد ليقوم بأعمال الوكالة باسم المجموع.
فعليه أولا: أن يكون بين رعاياه عادلا لا تنال من عدالته مؤثرات الحياة، من هوى أو قربى أو مصلحة شخصية، بل: "... لا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى... " فالعدل هو التقوى، وهو شريعة الله وروح الكون. فالطبيعة الإنسانية شئ واحد يأخذ الجميع منها حصصا متساوية، فليس من الجائز للحاكم أن يفضل بعض الناس على بعض، فالتفضيل عند الله، ومن الله، وليس هو للون والجنس واللغة